Wednesday, December 10, 2008

حقوق الإنسان بالمغرب: ظلمات بعضها فوق بعض
محمد ملوك
09/12/2008
المتأمل لمسيرة حقوق الإنسان بالمغرب خلال هذه السنة يجدها حافلة بالعديد من الانتهاكات الصارخة والخروقات الواضحة، وزاخرة بمختلف أنواع وأشكال المساس بكرامة وحرية المواطن، وشاهدة على اندثار الشعارات البراقة الفضفاضة وانكسار الحملات المبشرة ببزوغ عهد جديد تنجلي تحت سقفه سنوات الرصاص وأعوام النيران.
فمن القمع الفردي المعبد لطرق القمع الجماعي إلى تصدير التعذيب نحو بلدان تبحث لنفسها عن غد مشرق يقف المرء حائرا أمام الصورة القاتمة المخيمة على سماء المشهد الحقوقي بالمغرب، حيرة تبدأ بمتاهة الاختيار بين تصديق خطابات تلاك صباح مساء وتدعو للانخراط في سياسة الترقيع والتجميل والقبول بالواقع على ما هو عليه، وبين الانخراط في صفوف المعارضين والمناهضين لهذه السياسة والبصق على حروفها وأبجدياتها والتشكيك في مصداقيتها ونجاعتها ومن ثم الانتظار والاستعداد ليوم تسود فيه الوجوه وتجلد فيه الظهور وتكسر فيه العظام داخل معتقلات وزنازن وسجون خصصت لكل من يجعل من اللام والألف الممدودة سلاحا وشعارا له في مثل هكذا بلد.
ولئن كان العالم اليوم يحتفل بوصول أول أسود إلى أعتى وأقوى بيت في العالم ويعتبر ذلك إنجازا حقوقيا يستحق أن يحتفى به، فإننا نتساءل وحق لنا ذلك عن مكانتنا كدولة وقعت على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ضمن هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة يكشف فيها المستور ويفضح فيها بالعلن كل مخفي؟
الجواب بطبيعة الحال هو أننا بعيدون كل البعد عن ممارسة كل فعل حقوقي قويم وسليم، ومتشبع بثقافة الاحترام للرأي والرأي الآخر، ومحتكم لأسس الديموقراطية المبنية على تبني العدل وتصريفه في كل أمور الحياة الدنيوية، والسبب هو وجود عقلية تنظر للإنسان نظرة دونية ولا ترى فيه إلا خادما عليه السمع والطاعة والخضوع مقابل عيشة تكفل له الحياة بخيفة وتوجس، وله التعذيب والاضطهاد والقتل إن تجرأ وفكر في شكل من أشكال العصيان أو قصر في حرف من حروف الخنوع والركوع.
لولا وجود هذه العقلية بين ظهرانينا لما سمعنا وسمع العالم معنا عن مغرب "هامشي" صورت بعضا من خطوطه العريضة انتفاضات مدينة "سيدي إيفني" وأخواتها، ومغرب "مركزي أو نافع" نقلت تفاصيله اليومية احتجاجات المعطلين أمام البرلمان وتظاهرات المواطنين المقهورين ضد غلاء الأسعار وارتفاع وتيرة الإجرام، وسجلت حداثته عودة الطبقية بمختلف تجلياتها للإطباق على وسطه الاجتماعي والإجهاز على ما تبقى من حقوق ممنوحة للمواطن المغلوب على أمره.
لولا وجود هذه العقلية الاستبدادية في مراكز صنع القرار لما صدر التقرير تلو التقرير ليصنفنا ضمن الدول التي ينعدم فيها الأمن والأمان، ويتفشى بأركانها الجهل، ويسود بأرجائها الجور، ويحتكم فيها إلى لغة العنف والتمييز والتصنيف والزبونية والمحسوبية، ويضيّق فيها الخناق على دعاة الحرية والمساواة والكرامة والديموقراطية.
لولا هذه العقلية المتخلفة المريضة لما شاهد العالم وضع حبال المشانق على رؤوس الأقلام الهادفة الفاضحة، ولما تفرج على مسلسلات المحاكمات الصورية الجائرة ضد نشطاء الرأي والسياسة، ولما تعرف على فن فبركة الملفات وصناعة الأعداء الوهميين وخلق القضايا المهتمة بالقشور والمبعدة عن التفكير في لب الأشياء وحقيقة الأمور.
عقلية "أنا ومن بعدي الطوفان" هي التي حولت الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في المغرب إلى مأتم يعزي فيه السياسي الحقوقي، ومندبة يولول فيها المثقفون والمفكرون والإعلاميون، وجنازة يصلي فيها العلماء والفقهاء والفضلاء على الإنسان وحقوقه.
"ظلمات بعضها فوق بعض" هذا هو الوصف الدقيق المناسب والصادق لوضعية حقوق الإنسان بالمملكة المغربية؛ وضعية يتفق الكثيرون على سوداويتها وقسوتها ومرارتها، وهو ما يتطلب من الجميع البحث عن خلاص مشترك من ربق الجاهلية الجديدة وطوقها المتحكم في مصائر العباد والبلاد والوقوف وقفة واحدة لإعطاء الحقوق حقوقها ورد الاعتبار لمخلوق كرمته الشرائع السماوية ودعت لتكريمه كل القوانين والمواثيق الأرضية.

No comments: