أمغالا الصحراوية تعود إلى الواجهة بعد 35 عاما
2011/01/22
الجزائري بمغربيين … أو قصة صفعة بومدين للحسن الثاني
في هذه الأيام الصعبة عادت أمغالا الصحراوية التاريخية التي يحتلّها الجيش المغربي إلى واجهة الإعلام الدولي، ولكن للأسف الشديد جاء في إطار مسلسل تفكيك “الخلايا الإرهابية” الذي دأب عليه المغرب منذ سنوات، وبالرغم من أن عددها تجاوز حدود المعقول والممكن، إلا أنه لم نشهد ما يفيد بوجود مخطط فعلي لاستهداف المملكة المغربية.
آخر ما حدث هو إعلان وزارة الداخلية المغربية عن تفكيك ما وصفته بخلية إرهابية مدججة بأسلحة ورشاشات وقذائف وذخائر بمختلف الأنواع وذلك يوم الثلاثاء 04 جانفي الجاري، وفي منطقة أثارت نقاط ظل وتناقضات مختلفة، وعادت بنا إلى الغوص في أعماق الأمس البعيد.أمغالا تحمل في جعبتها الكثير من المحطات والأحداث البارزة، وخاصة في تاريخ كفاح الشعب الصحراوي ضد الاحتلال الأجنبي. نفتح أوراق أحد الملاحم التاريخية التي لم يسبق التحدث عنها مطلقا وطالها الصمت وحتى النسيان، نأتي على ذلك في خضمّ تصدّر أمغالا للواجهة الإعلامية وفي صورة مشوبة بالشكوك والقناعات المضادة، والتي تشير في مجملها إلى أن الأمر مجرد مسرحية دعائية عابرة، تدخل في إطار الأجندة المغربية التي تستهدف أساسا جبهة البوليساريو من أجل تحويلها لدى المجموعة الدولية إلى مجرد “منظمة إرهابية” لديها علاقات مفترضة مع ما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي“، وهو الذي فشلت فيه الترسانة الدعائية المغربية عبر تقاريرها الصحفية المكثفة التي لم تقدم أدنى ملموس ممكن أن يعتمد عليه أو حتى يضع الجبهة تحت طائلة أدنى الشبهات.
وقبل أن نخوض في جوانب أمغالا “الثالثة” كما وصفها البعض ممن يقدمون أنفسهم ككتّاب وصحفيين وأصحاب الباع الواسع في التحليل السياسي والأمني، نرى من الضروري أن نكشف واقع ما جرى في أمغالا الأولى والأخرى الثانية في عام 1976. فالمتوفر الآن هو رواية مغربية مكتوبة ومؤرخة على مقاس المخزن، ولا تزال الحقيقة غائبة عن القارئ والمتابع العربي والمغاربي، خاصة أن الجزائر الرسمية لم تعبأ بتلك الروايات المفبركة التي يروج لها “مؤرخون” لا ينظرون للأمور إلا بأعين حولاء تتماوج بين القصرين في الرباط، ولا يزنونها إلا بما يملى عليهم من هنا وهناك، كما أن من صنعوا تلك الملحمة تواروا في الظل ولم تطالهم أشعة الشمس، وسنكشف لأول مرة في تاريخ الجزائر تفاصيل هذه القضية الثورية بإمتياز.
الغدر المغربي في أمغالا الأولى
في نهاية شهر جانفي من عام 1976، وسنة بعد الغزو المغربي للصحراء الغربية في إطار ما سميت بـ “المسيرة الخضراء“، ومع استفحال ظاهرة النزوح الصحراوي بسبب حملة الإبادة الشاملة التي كان ينفذها الجيش المغربي بأمر من الملك الحسن الثاني، وجراء ذلك هبّت الآلاف من العوائل الصحراوية فارّة بجلدها ومن دون أن تتزود بقوت ولا غطاء ولا حتى الشراب، حيث تاهت في رمال وقفار الصحراء فضلت ركوب غبار الموت من أجل الوصول إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف الجزائرية، التي كانت الخيار الأوحد الذي لا ثاني له، لنجاتهم من بطش القوات الغازية والمتعطشة للدماء. وقد أقدمت السلطات المغربية على التصدي لجحافل الفارين والهاربين من القصف والقتل والتدمير، حيث تقوم بنصب الكمائن لهم ومنعهم بقوة السلاح من الفرار من الجحيم نحو تندوف. خلال ذلك كانت جبهة البوليساريو تقوم بعمليات نوعية وحسب الممكن لمساعدة هؤلاء الصحراويين لمغادرة الأراضي المحتلة وبأقل الخسائر، لأن المغرب فضّل حينها دفنهم أحياء في الرمال من أن يبلغوا غايتهم بمخيمات اللجوء.
الجزائر التي كانت مساعدتها الإنسانية والسياسية والدبلوماسية معلنة وصريحة وليست من وراء الحجب ولا الستائر، لم تتردد في تقديم المساعدة العسكرية لجبهة البوليساريو، وهذا الأمر كان معروفا وليس خفيا. وحسب ضابط سابق في الجيش الجزائري، أن القوات المسلحة الجزائرية ساهمت في مدّ يد العون للصحراويين المضطهدين والذين كانوا في أمسّ الحاجة لمغادرة بيوتهم التي تقصف وتنتهك فيها الحرمات من قبل الجيش الملكي المغربي، ولهذا دخلت كتيبة من الجيش الوطني الشعبي للتراب الصحراوي، وكانت تتكون من 160 فردا (5 ضباط و12 من ضباط الصف والبقية جنود)، يحملون أسلحة فردية وخفيفة من نوع كلاشينكوف وسيمينوف، وهي أسلحة يستعملها الجندي من أجل الدفاع عن نفسه فقط، وليس للقيام بأي عملية هجومية ضد القوات المغربية المتحرّشة بالصحراء الغربية. فلو كانت هناك نية هجوم لاستعملت الطائرات والمدرعات والدبابات والأسلحة الثقيلة، والجزائر كانت خلال تلك الفترة متفوقة عسكريا ومن ناحية التسليح على المغرب.
الكتيبة الجزائرية التي دخلت الأراضي الصحراوية بطلب من قيادتها، هدفها كان إنسانيا بحتا، وهو تقديم مساعدات للشعب الصحراوي، ولهذا لم تلجأ القوات المسلحة الجزائرية إلى تدعيمها بأسلحة ثقيلة، بل حتى عناصر الكتيبة كانوا من جنود الخدمة الوطنية الذين ليس لهم تدريب عسكري كامل بل تدريبهم لم يتعدّ الستة أشهر في ثكنات مخصصة لأداء الواجب الوطني وليست مدراس وكليات عسكرية عليا ومحترفة على غرار الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة أو المدرسة العليا للقوات الخاصة… الخ.
ويضيف الضابط الجزائري السابق، أنه أثناء تواجد الكتيبة الجزائرية بالأراضي الصحراوية وهي في متوجهة لمعاقل جبهة البوليساريو وبعد أيام قضتها في الطريق الصحراوي، وعندما وصلت منطقة أمغالا تفاجأت بحصار ضرب عليها من طرف القوات الملكية التي كشفت أمرهم، ووقع اشتباك بين الطرفين ونشبت حينها معركة حامية الوطيس دامت يومين كاملين، وكانت القوات المغربية تتفوق على الكتيبة الجزائرية في العدد والعدة والعتاد، وتمّ أسر أغلبية الجنود الجزائريين وفرّ آخرون في الصحراء وماتوا عطشا. تم أسر 99 عنصرا بينهم ضابط إحتياطي واحد وهو السيد باشة نورالدين، عكس ما زعمته وسائل الإعلام المغربية .
الضابط العامل الوحيد الذي قاد الكتيبة لم يتم أسره، فقد رفض الاستسلام للقوات المغربية المهاجمة وتمكن من الفرار نحو الصحراء ومات عطشا، وأيضا 3 ضباط إحتياط آخرين قتلوا اثناء المواجهات.
في اليوم الموالي من العملية مباشرة، أعلنت وزارة الإعلام المغربية عن تفاصيل الحادثة، وراحت تهلل بما وصفته بالانتصار الكبير والعظيم على الجيش الجزائري، وبالغت فيه إلى أبعد الحدود، ولكنها تجاهلت أن الأمر لا يعدو سوى عملية استهدفت عناصر عادية من أبناء الخدمة الوطنية كانوا بصدد مهمة إنسانية وليست عسكرية كما زعم حينها القصر الملكي.
السلطات المغربية استغلت الواقعة حينذاك، وكعادتها دائما في تقليب الحقائق وفق أجندة خاصة بها، وراحت تروج لها من أجل أن تبرز للرأي العام الدولي من أن الجزائر قد أعلنت عليها الحرب، ومن جهتها اعترفت الجزائر بتغلغل كتيبة من القوات الجزائرية في الأراضي الصحراوية وليست المغربية وهذا من أجل تقديم يد المساعدة للشعب الصحراوي، وحدث ذلك بطلب من جبهة البوليساريو بصفتها معترف بها كممثل شرعي ووحيد للصحراويين، ولهذا فدخول كتيبة الجيش الوطني الشعبي إلى الصحراء الغربية لا يمكن أن نعتبره خرقا للأراضي المغربية المعترف بها دوليا. وفي السياق نفسه أكدت الجزائر رسميا من أن القوات المغربية قد أسرت عددا كبيرا من أفراد تلك الكتيبة.
ملحمة أمغالا الثانية التي يخجل منها القصر الملكي
الرئيس الراحل هواري بومدين لم يكن من طينة الرجال الذين يغضّون الطرف عن مثل هذه الحوادث الكبرى، ولا هو ممن يتخلون عن رعاياهم ويستسلمون للغدر ويجعلونه قضاء وقدرا لا يمكن التصدي له، وهذا الذي يجمع عليه من عايشوه وكانوا مقربين منه. فقد اعتبر هجوم القوات الملكية المغربية على الكتيبة الجزائرية هو الغدر بعينه، وخاصة أن هذه الكتيبة في مهمة إنسانية نبيلة ولم تكن مسلحة بالقدر الذي يمكن أن تتجرأ على مهاجمة قوات نظامية محتلّة ومدججة بأسلحة ثقيلة وأخرى فتاكة. فقرر أن يرد الصاع صاعين على القصر الملكي، ولهذا هيأ خطة للأخذ بالثأر أشرف عليها شخصيا وتابع فصولها بنفسه.
انتقل الرئيس هواري بومدين إلى مدرسة القوات الخاصة “الكومندوس“، وطلب من قيادتها اختيار أحسن العناصر الذين يمكن أن يعوّل عليهم في مهمة خطيرة وثقيلة، لا خيار ثالث فيها بين الموت أو الحياة. كما طلب الرئيس فقد جرى اختيار أفضل العناصر من الناحية البدنية والعسكرية والإنضباط ، وتمّت مضاعفة قدراتهم بتدريبات استثنائية وكثيفة على مدار 15 يوما لا ينامون إلا قليلا. وبعدما أظهروا براعتهم وإمكانياتهم الميدانية والتطبيقية العالية، نقلوا إلى ولاية تندوف على جناح السرعة، وقد تابع الرئيس هواري بومدين شخصيا مرحلة التدريب التي خاضتها الفرقة الخاصة، وقد حدد لها هدفا معينا ويتمثل في أسر ضعف ما أسره المغاربة، قائلا لهم: “حتى يساوي الجزائري مغربيين اثنين وإلا لن يهنأ لي بال“.
خلال ذلك قام بتكليف العقيد محمد الصالح يحياوي بالإشراف على تنفيذ العملية ومتابعتها حتى النهاية، الذي لديه تجربة عسكرية في تندوف وقاد أيضا الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال وعضو في مجلس الثورة، والتعيين هذا هو أكبر دليل على مدى أهمية العملية لدى الرئيس الراحل هواري بومدين.
قبل الشروع في الهجوم غادر الرئيس التراب الجزائري متوجها للجماهيرية الليبية وذلك في منتصف شهر فبراير 1976، وفي تلك الليلة تم تنفيذ الإغارة على فيلق مغربي يتجاوز عدد عناصره 350 فردا كانوا مدججين بشتى أنواع الأسلحة، حيث تمّ الفتك بعناصر الحراسة ومجموعة الخفارة، وانقضّت الفرقة الخاصة للكومندوس الجزائري على بقية الفيلق الذين كانوا يغطّون في نوم عميق بخيماتهم، جرى تدميره كاملا ولم ينجو منه أحد حيث تمّ أسر ما يقارب 250 فردا من مختلف الرتب، أما البقية فقد لقوا حتفهم أثناء الهجوم. في حين لم يمس الجانب الجزائري ولو بخدوش بسيطة وعابرة.
فزع الملك الحسن الثاني عندما تلقى نبأ الكارثة التي وقعت لجيشه، ولتوّه أبرق رسالة للرئيس هواري بومدين، طالبا فيها المبادرة بالإعلان الرسمي عن الحرب بين البلدين أمام الرأي العام العربي والدولي. استهزأ الرئيس هواري بومدين من برقية الملك المغربي، واكتفى الرد العملي الجزائري بنشر رسالة الملك كاملة على صفحات الجرائد الوطنية، والهدف الأول والأساسي من ذلك هو إعلام الرأي العام الوطني من خلال محتوى برقية الملك الحسن الثاني، أن الجيش الوطني الشعبي أخذ بثأر الكتيبة التي غدر بها قبل أيام، ومما إعترف به الحسن الثاني أنذاك أن كمندوس جزائري أغار على فيلق مغربي ليلا وقام بإبادته وأدى ذلك في وقوع “عشرات الجرحى والقتلى من أبنائه” على حد تعبير الملك المغربي، والذي تحدث أيضا بلغة المنكسر عندما ختم رسالته طالبا من الرئيس بومدين أن يعمل من أجل تجنيب البلدين مأساة أخرى، وفي الوقت نفسه أظهر إستعداد للسلام وفق ضمانات دولية، والأهم هو طلبه بأن يعلن بومدين الحرب صراحة على المغرب.
لم يكلّف الرئيس هواري بومدين نفسه عناء الرد الرسمي على الملك المغربي الحسن الثاني، إذ اكتفت وكالة الأنباء الجزائرية بمجرد شبه ردّ مقتضب، مما أشار إليه وأكده بإختصار، أن المشكل قائم بين المغرب وجبهة البوليساريو، وإذا أراد المغاربة معرفة هوية الذين أغاروا على فيلقهم وفتكوا به، ما عليهم إلا اللجوء لجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، من أجل أن تزودهم بما حدث في أمغالا الثانية.
بالنسبة للرأي العام الدولي، لا يمكن مطلقا أن تتهم الجزائر بالعدوان على المغرب كما يريد هذا الأخير، باعتبار أن رئيس الدولة هواري بومدين كان خارج التراب الجزائري، كما هو معلوم أنه لا يمكن القيام بعملية عسكرية بهذا المستوى في غياب الرئيس. وبالتالي من غير المستقيم والسليم في العرف العالمي، أن يحكم المجتمع الدولي على الجزائر من أنها شنّت عدوانا على جيش جارتها المملكة المغربية. وهذا ما كان يريده الرئيس هواري بومدين عندما غادر الجزائر بيوم قبل تنفيذ العملية، وهو دهاء لا مثيل له من رجل حرب محنك عايش حقبة ثورة التحرير كقائد ميداني وبعدها صنع صيتا سياسيا للجزائر لا يمكن تخيله أبدا، وهو الذي يعترف له به الأعداء قبل الأصدقاء.
لقد نجحت العملية بدرجة فاقت توقعات مهندسها الرئيس الراحل هواري بومدين، وتحقق ما يصبوا إليه من أسرى فضلا عن الرعب الذي دبّ في أوساط القوات المغربية بالصحراء الغربية التي صارت تعيش كابوسا حقيقيا زادته حدّة ضربات جبهة البوليساريو المتتالية، ولم يذق الجيش المغربي طعم الراحة إلا بمعاهدة وقف إطلاق النار كما إعترف بذلك ضباط وعسكريون سابقون.
نذكر للتاريخ، أنه لما طلب الملك الحسن الثاني الإعلان الرسمي عن الحرب، سخر منه الرئيس هواري بومدين في خطاب ألقاه بتاريخ 24 فبراير 1976 بمناسبة الذكرى الخامسة لتأميم المحروقات، حيث قال باستهزاء: “لقد طلب منا ملك المغرب الإعلان الرسمي عن الحرب وكأنه يعتقد أن الحرب مباراة كرة قدم، فالحرب أصعب من ذلك بكثير ولا يعرفها الملك لأنه لم يخض حربا مثل التي خضناها طيلة سبع سنوات ضد رابع قوة عالمية“، وأضاف أيضا: “الحرب ليست لعبة صبيان” وهكذا ختم الرئيس الراحل حديثه في الموضوع.
وبذكائه المعهود والمعروف والشائع عنه، وبلهجة الهامس في أذن الملك المغربي، حتى يشعره بأن عملية أمغالا الثانية هي من صنع الجيش الجزائري، وخاصة أن الرئيس كان يعلم بمدى المهانة التي أحسّ بها الملك من خلال تلك الصفعة الرهيبة التي ظل يخجل منها لاحقا ويتحاشاها ولو بحديث عابر، قال الرئيس هواري بومدين: “يتكلمون عن أمغالا الأولى ولما لم نتكلم عن أمغالا الثانية“، واكتفى بذلك الإيحاء فقط من أجل أن يبرهن أن العملية كانت درسا للجيش الملكي لا يمكن أن تمحى بتزوير الحقائق ولا بالتجاهل والإنكار. ولا يزال ليومنا هذا كتّاب التاريخ على مقاس حذاء الملك لم يهضموا الحادثة، ولا تزال تشكل عقدة نفسية رهيبة ومخجلة لدى القيادات العسكرية المغربية، وتتوارثها من جيل لآخر حتى يومنا هذا، بل حتما ستبقى تلاحق الجيش المغربي إلى الأبد.
عندما ساوى الجزائري مغربيين في ليلة القدر
إن الجزائر لم تعترف علانية بهجوم أمغالا الثانية، ولكنها بذلت جهودا جبارة وعبر قنوات مختلفة لإطلاق سراح الأسرى الجزائريين الذين جرى أسرهم في أمغالا الأولى. وبعد سنوات طويلة من الشدّ والمدّ، أبرم الاتفاق بين البلدين، حيث تمّ تبادل الأسرى على الشريط الحدودي بين الجزائر والمغرب، في25 ماي 1987 الموافق لليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المعظم 1407 هجري، وخضع حينها المغاربة مكرهين إلى ما أراده وخطط له الرئيس الراحل هواري بومدين في حياته، حيث ساوى جزائري بمغربيين وزيادة، ظهر ذلك واضحا وجليا أثناء عملية التبادل فتم تسليم ما يقارب 250 اسير مغربي مقابل 102 من الجزائريين.
اكتفت السلطات الجزائرية بمنح امتيازات للأسرى الذين تمّ تحريرهم، وتتمثل في السكن والمتاجر وأجر كامل كتعويض عن سنوات تواجدهم في غياهب سجون الحسن الثاني، في حين أن السلطات المغربية من جهتها عملت على إبراز أسراها إعلاميا في إطار أجندتها الرامية لإقناع الرأي العام الدولي بأن الجزائر أسرت جنودا وضباطا مغاربة في إطار حرب غير معلنة، وقد ظهر الأسرى في القنوات التلفزيونية والصحف والإذاعات بطريقة مكثفة، ولكن بمجرد أن بادر هؤلاء الأسرى بطلب امتيازات اجتماعية عادية سدّت في وجوههم كل أبواب أجهزة الإعلام الرسمية وطويت صفحتهم إلى أجل غير مسمّى.
إذا كانت أمغالا الأولى قد صبّت في أقداح المغرب وكانت في صالحه عندما حقق مبتغاه في أسر جنود جزائريين من عناصر الخدمة الوطنية، وكثر عليها الحديث وسال الحبر بصورة رهيبة. فإن أمغالا الثانية الحقيقية وليست المزيفة، كانت في صالح الجزائر أضعافا مضاعفة وجرى أسر ضباط وصف ضباط وجنود عاملين في الجيش الملكي، غير أنها لم يسيل لها الحبر ولو بقطرة واحدة، ولا يوجد من كتب في العملية أو بحث في أغوارها، والسبب بسيط جدا وهو أن مهندسها الرئيس الراحل هواري بومدين رجل يؤمن بالأفعال وليس بالأقوال كما ظل يردد مرات عديدة، فضلا من أن الهدف هو تحرير السرى وفق مقاربة حددت معالمها تنبع أساسا من تحدي بومدين للحسن الثاني في محطات كثيرة ومختلفة.
ويكفي دلالة على ذلك أن الملك الحسن الثاني لم يتمكن من زيارة العيون ولم تطأ قدماه تراب المدينة التي يزعم أنه حررها من الإسبان ثم إسترجعها في مسيرته الخضراء، إلا بعد وفاة الرئيس هواري بومدين رحمه الله. وقد تحدّى الملك الحسن الثاني علانية، أنه سيشرب الشاي بالعيون في إطار الخطاب المخزني المعروف والذي يستهدف دوما الجزائر على موقفها المبدئي من القضية الصحراوية ودعمها المعلن لجبهة البوليساريو بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، فردّ بومدين بمقولته المشهورة وهو يؤمن بالشخصية الصحراوية التي ترفض الإستعمار مهما كان نوعه: “إذا شربت الشاي في العيون فسأعطيك شنباتي نعناع“.
قائمة الأسرى الذين حررتهم أمغالا الثانية
والأسرى الجزائريين الذين تمّ تحريرهم كان عددهم 102 حيث إلى جانب 99 الذين أعتقلوا في أمغالا الأولى جرى تحرير 3 مساجين آخرين، والمعنيين بالأمر الذين تنشر اسماؤهم لأول مرة هم كالتالي: عاشور محمود، بشّه نورالدين، حويشي محمد، حبيب أعميروش، نحيلة بوحفص، آيت قاسي عبدالرحمان، عموري حسين، بن رخروخ محمد، بن زعرة رزوق، بواصطية محمد، جابري محمد، قرزو عبدالكريم، كيزان عبدالله، علمي عمر، سعودي محمد لمين، بن سليمان الطاهر، بوزيان بن سالم، بوزيان العمري، طالحي الحاج، ياحي محمد الطاهر، بوقواصى الطيب، بن مريم بن زروقي، بن صالح عبدالقادر، بوقرة محمد، بويكن باهي اعمر أحريز، فرحات سليم، خنفوسي عامر، مباركة رشيد، ملياني أرزقي، مفلاح أحمد، مناد العربي، موساوي أحمد، أوقيدة محمد، زويش عبدالقادر، زرقي محمد، عبدادي أحمد، عبدون علي، عدمي عبدالقادر، علالي محمد، عميرش محمد، عربوش عبدالقادر، بدري رمضان، بهادي مبروك، بقادي محمد، براكشي أحمد، بشيبشي محمد، بشيري لخضر، بلحاج عبدالرحمان، بن عبدالله محمد، بن دريسي عبدالقادر، بن سعادة العربي، بن دحمان مصطفى، مفتاح بلحرش، مسعودي محمد الصالح، مليح الجيلالي، محمدي عبدالله، موهب أعمر، مومني محفوظ، نسيب علي، أوبلعيد محمد، رباط أحمد، رحال إبن حنبل، صالحي أحمد، سعود محمد العيد، سيراط بكار، قمني العيد، طاسيدا بلعيد، تكسانة زهير، توالميت حمو، طراد لحباسي، بوساري محمد، زامبو مبروك، روابح علي، نمير الحاج، جوبالي مبروك، بن تركي عبدالقادر، بربوشي محمد، بوشراق الشريف، بودلال عبدالقادر، بوزدي محمد، شعشوعة إبراهيم، شيلا رشيد، جعفري علي، جيدل علي، ضياف محمد، ديالم بن يوسف، ذويبي نواري، فكراوي عبدالباقي، فغول أرزقي، غزيوي رمضان، حماني أحمد، حمدي صافي، قداش لخضر، كحلي عبدالقادر، خالدي عبدالسلام، خدران محمد، كوبيتي جلول، لبيود محمود، لعلام عبدالقادر، العربي ناصر، محبوط إبراهيم، منصوري محمد.
أجندة قذرة فضحتها أمغالا “ثالثة” مزعومة
في سياق حديثنا عن ملحمة أمغالا، نعود للحادثة الأخيرة التي أشرنا إليها في مطلع مقالنا، حيث زعم المغرب تفكيكه لخلية سمّاها إرهابية بمنطقة أمغالا، وكشفت مخابيء أسلحة تتكون من 30 رشاشا من نوع كلاشينكوف و3 مسدسات رشاشة وقاذفتين من نوع “أر بي جي 7″ وقاذفة من عيار 82 مم و66 خزنة للذخيرة وذخائر حية. وهو ما دفع دوائر مخزنية معروفة إلى وصفها بأمغالا “الثالثة” على أساس آخر ووفق رؤية غير صحيحة ولا تمت للواقع بأدنى صلة، كما فعل أحدهم على سبيل المثال لا الحصر ويدعى محمد لشهب بجريدة “المساء” في عددها 1334 الصادر بتاريخ 06 جانفي الجاري، حيث نجده قد حلب في إناء مقاربة مغربية معهود ومروّج لها، ورأى المذكور أعلاه على غرار كتّاب آخرين، أن حادثة أمغالا تنقسم إلى معركتين متتاليتين، الأولى حدثت بتاريخ 27 فبراير 1976 حيث أسر فيها 12 جنديا جزائريا من طرف الجيش المغربي وسميت عندهم “أمغالا الأولى“، والثانية وقعت في 28 فبراير من العام نفسه تم أسر أكثر من مئة جندي جزائري أيضا، وأطلقوا عليها “أمغالا الثانية“. ومن باب ستر العورة والقفز على التاريخ، يتجاهلون أمغالا الحقيقية الثانية التي روينا قصتها لأول مرة، ليس بسبب الإنكار المعلن فقط بل من فرط خجل لا يزال يلاحق القصر الملكي وعلى رأسهم الحسن الثاني ثم نجله محمد السادس وسيورثه لولي عهده كذلك، وهو ما يظهر لدى الجيش الملكي وقياداته المتعاقبة، لأن إبادة فيلق وأسره بتلك الطريقة المهينة ومن دون إطلاق رصاصة واحدة، لا يمكن أن تمحوه جرّة قلم مهما كانت قوتها وحيلتها.
ضابط مغربي سابق وصف العملية المعلن عنها مؤخرا، بأنها كذبة وبدعة كبيرة لا يصدقها أحد، لأن أمغالا تقع داخل منطقة عسكرية ممنوعة بصفة مطلقة على المدنيين، ولا يمكن أن يتجرأ أحد ولو كان راعي نوق أو ماشية على اختراقها، فضلا من أن الأمر يتعلق بخلايا موالية لما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي“، إلا إذا كانت العملية تحت رعاية أمنية مغربية وفي هذه الحالة أن القضية لا تتعلق بخلية إرهابية بل أن الجيش الملكي هو من يجب أن يتابع على أسلحته التي يدفنها في الخلاء ويجعلها في متناول “القاعدة“. وأضاف: “الإعلام المغربي يستغلّ جهل الناس لجغرافية المنطقة، ونفس الشيء حدث لما أوقف المدعو ولد سلمى في مهيريز، إذ أعلنوا أن المكان يتواجد على مقربة من الحدود الجزائرية، بينما في الواقع يبعد 40 كم من الحدود الموريتانية و300 كم عن الحدود الجزائرية“.
الضابط المغربي الفار بإسبانيا عبدالإله عيسو، بهذا الخصوص تحدث قائلا: “شبه قطاع أمغالا تابع لقطاع الساقية الحمراء، والمخابئ كما ذكر، تمّ العثور عليها في خنق الزريبة على بعد 220 كم من العيون، و35 كم من الحزام الأمني، و25 كم من مركز قيادة شبه القطاع. فكيف يفسّر المسؤولون العسكريون بالمنطقة وعلى رأسهم الجنرال قائد قطاع الساقية الحمراء وقائد شبه قطاع أمغالا، وجود هذه المجموعة من الإرهابيين وهذه الكمية من الأسلحة في منطقة مسؤوليتهم؟ أين كانوا حين كانت الأسلحة تدفن على مقربة منهم؟ لقد أمضيت ما يقارب الثماني سنوات من مسيرتي العسكرية في المنطقة نفسها، وفي الفوج 49 للمشاة، وأؤكد أنه لا يمكن لذبابة أن تدخل المنطقة دون أن يتم رصدها، فالإجراءات الأمنية صارمة جدا، فمن المستحيل التسلل عبر الحزام الأمني، مرورا بالأراضي الصحراوية المحررة، ومن المستحيل قدوم مجموعة الإرهابيين والأسلحة من داخل التراب المغربي، فكيف وصلوا إلى أمغالا؟ هل لديهم صحون طائرة؟!!”. كما يضيف أيضا: “لا أدري كيف تمّ نقل تلك الأسلحة إلى ذلك المكان الأمني والمراقب بشدة، فلا توجد سيارة أو حتى دابة تدخل من دون أن يتم إكتشافها، فإختيار المخابيء داخل الجدار الأمني هو أكبر دليل على أن القضية مفبركة من أساسها، ولو نسلّم بصحة القصة فهنا يجب علينا إدانة الجيش المغربي بأنه يعمل مع شبكات القاعدة، وأكبر دليل هي هذه الأسلحة التي خزّنت في منطقة لا يمكن لأي كان أن يدخلها إلا بموافقة القيادة العسكرية“. أما عن الأسلحة فعلق عيسو: “توجد مخازن تابعة لجهات أمنية تتناثر هنا وهناك وفي تلك المناطق وأمر سهل الإدعاء بمثل ما جاء به المخزن“.
أحد عناصر المخابرات المغربية أكد لنا من أن القضية مفبركة وتورطت فيها مخابرات بلاده، وهذا مجرد فصل من فصول مخطط استخباراتي من أجل إقناع العالم بفرضية غير موجودة أصلا وتتعلق بإختلاق علاقة وهمية بين جبهة البوليساريو وما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي“.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه لا يستبعد أن تكون هذه الأسلحة لديها علاقة مع الناظور، حيث جرى تفتيش قامت بها الأجهزة الأمنية برفقة المخابرات بداية من 18 ديسمبر المنصرم ومن دون غطاء قضائي، بعدما استلم المغرب المدعو علي أعراس من إسبانيا في 14 ديسمبر 2010، والمشتبه بالانتماء إلى شبكة عبدالقادر بلعيرج، والذي أوقفته السلطات الإسبانية في أبريل 2008.
كما أكد لنا أيضا من أن المرحلة القادمة ستسجل عدة سيناريوهات جديدة، منها مثلا مخطط عملية فرار إسلاميين من أحد السجون المغربية، وبعدها يتم توقيف بعضهم في الصحراء الغربية وتسجيل اعترافاتهم من أنهم كانوا بصدد تشكيل فرع لتنظيم القاعدة بالصحراء الغربية وتحت رعاية من بعض قادة البوليساريو، التي ستتهم من قبل المخزن برعاية فارين آخرين في المناطق المحررة.
وأضاف محدثنا في إطار كشفه لبعض جوانب السيناريوهات المغربية المعدّة سلفا، من أن مرحلة أخرى ستأتي لاحقا وسنشهد فيها عملية تفجيرات قوية تستهدف مدنيين أو أجانب أو حتى القوات الأممية، وبعدها سيجري الإعلان عن تفكيك خلية إرهابية تعتبر القاعدة الخلفية لتنظيم المدعو عبدالمالك دردوكال وكنيته “أبو مصعب عبدالودود“، وسيتوزع عناصرها ما بين الداخلة والسمارة وحتى ضواحي العيون، وسيزجّ ظلما بشبان من الصحراء الغربية في هذه القضية.
ويؤكد رجل الاستخبارات المغربية من أن ما يسمى “خلية أمغالا” هي تمهيد آخر لسلسلة من العمليات الإرهابية تشبه تفجير فندق “آسني ” بمراكش عام 1994، والذي تورط فيها الجهاز من أجل ترتيبات إستهدفت الجزائر، هذه العمليات ستنفذها المخابرات المغربية خاصة في بعض المدن الصحراوية الكبرى التي تخضع لسيطرة الجيش الملكي.
وعن “خلية أمغالا” يذهب محدثنا إلى أن الجهات التي أشرفت على إخراج السيناريو أرادت إقناع الهيئات الدولية التي ظلّت تشكّك في مصداقية تلك الخلايا التي يعلن عن تفكيكها من حين لآخر ومن دون إظهار المتهمين ولا ما بحوزتهم من أدلة الإدانة كالأسلحة والمنشورات التحريضية مثلا، وخاصة أن قضية عبدالقادر بلعيرج وأسلحتها لم تعد لها تأثيراتها الإعلامية ولم تحقق غايتها المرجوة والمخطط لها. ولهذا لجئوا هذه المرة إلى إظهار كميات كبيرة من الأسلحة بعد تفكيك عدة خلايا مفترضة وغير مسلحة ولا تحمل أدلة إدانة، والتي يؤكد رجل الإستخبارات المغربية، أن “الأسلحة تم نقلها ودفنها في أمغالا برعاية الجنرال عبدالعزيز بناني، ولا توجد أي خلية أصلا، كل ما في الأمر هو اعتقال شبان أبرياء وسيتم إظهارهم إن اقتضى الأمر لاحقا للرأي العام ويجبرون على اعترافات معدة سلفا تدين الجزائر وجبهة البوليساريو“، على حد تعبير صاحبنا الذي أشار أيضا إلى العقيد في الدرك الملكي عبداللطيف مكوار، الذي هب في تصريحات علنية على مرأى الصحفيين بأمغالا خلال الأيام القليلة الماضية، من أن الخلية فككت بناء على معلومات تحصل عليها الجنرال عبدالعزيز بناني، وهي سابقة في هذا المجال يضيف محدثنا، لأن إدراج إسم الجنرال وفي تصريح صحفي ومن دون أدنى توضيحات، لديه أسباب أخرى خفية، وهي أن الجنرال عبدالعزيز بناني كان يمر بمرحلة عصيبة بسبب القرار الذي سيصدر خلال الأسابيع القادمة من خلال إجتماع عسكري، والذي سيقضي بإحالته على التقاعد الإجباري بسبب وضعه الصحي، فرفض إحالته على التقاعد لإمتيازات تتعلق بالنفوذ والمال والأعمال، ولم يجد غير خلية القاعدة المزعومة بـ “المنطقة الجنوبية” التي تخضع لرئاسته، من أجل أن تفرضه على القصر الملكي، وهو الذي تحقق له بالفعل بعدما تقرر التراجع عن القرار حسب ما أفاد به صاحبنا.
صحفي مغربي آخر فضل عدم الكشف عن هويته، أكد أنه تواصل مع أحد الصحفيين الذين رافقوا قيادة الجيش نحو المنطقة التي تمّ فيها العثور على مخابئ الأسلحة والذخيرة والقذائف، وأكّد له أنها منطقة أمنية مكشوفة ولا يمكن الوصول إليها من دون المرور على مراكز عسكرية، إلا إذا كان هؤلاء يملكون طائرات نفاثة لا ترصدها الرادارات ولا أجهزة المراقبة.
ويضيف الصحفي المغربي من أن أحد العسكريين الذين لديهم إطلاع على محتوى القضية وكان حاضرا لحظة فتح المخابئ، أكّد لصاحبه بحسن نية ربما، من أن المخابئ التي عثروا عليها تبدو حديثة الحفر والإنجاز ولا تتجاوز عشرة أيام، وهذا ما يعضد فرضية دفن الأسلحة التي عثر عليها في الناظور أواخر ديسمبر المنصرم.
من خلال المعطيات المتوفرة، نرى أن عملية أمغالا الأخيرة، تدخل في إطار الأجندة الإستخباراتية المغربية التي سبق وأن تحدثنا عنها في دراستنا “المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر“، والتي يسعى المغرب من خلالها إلى فبركة أدلة ولو على حساب مواطنين أبرياء، يحاول من خلالها إدانة جبهة البوليساريو دوليا والوصول لحلمه المستحيل وهو أن تدرج كمنظمة إرهابية عالمية، فضلا من أن المغرب وجد نفسه في قفص الإتهام جرّاء ما حدث في العيون مؤخرا خلال شهر نوفمبر الماضي، فأراد أن يبعد الأنظار قليلا نحو الخطر الإرهابي القادم من الساحل والصحراء، ويرجح فرضياته التي ظلت لا تتجاوز قصاصات إستخباراتية توجه للخارج وتتكفل وسائل إعلامه بالترويج لها على طريقتها الخاصة.
لقد سبق وأن تحدثنا عن مخططات المغرب المستمرة لتوريط جبهة البوليساريو في قضايا الإرهاب، فبعد محاولات القصر الملكي مع بعض الأمراء الجزائريين أن يقوموا بتجنيد شبان من مخيمات اللاجئين في تنظيماتهم، ونذكر على سبيل الاستدلال ما رواه أمير “الجيا” عبدالحق العيايدة الذي كان موقوفا بالمغرب قبل تسليمه للجزائر، والذي طلب منه تنفيذ المهمة مقابل الإفراج عنه. بل معلومات أمنية متوفرة تفيد أن المغاربة الذين جرى توقيفهم في الجزائر وهم يستعدون للالتحاق بمعاقل ما يسمى تنظيم القاعدة، بينهم من إعترف بدور رسم له من طرف جهات أمنية مغربية لأجل تحقيق إختراق مخيمات اللاجئين بتندوف.
كما لاحظنا تهليل وسائل إعلام مغربية للمدعو عمر ولد سيد أحمد وكنيته “عمر الصحراوي” الذي سلمته موريتانيا لمالي خلال شهر أوت المنصرم في إطار صفقة معروفة من أجل تحرير الرهينتين الإسبانيتين روكي باسكوال والبرت فيلالتا، حيث أرادوا أن يقدموه كدليل ملموس على تورط البوليساريو مع “القاعدة“، وظهرت هنا مفارقة سخيفة وعجيبة في آن واحد، من خلال المعادلة المخزنية الغبية والغريبة، فمادام هذا الشخص من أصول صحراوية، فمعناه أن الجبهة إرهابية وحتى الشعب الصحراوي أيضا… ياله من منطق أعوج وأعرج!!
ترى ماذا يقول المغرب في مئات المغاربة الذين جرى توقيفهم وهم يهربون السلاح لمعاقل الجماعات المسلحة بالجزائر؟ هل يمكن أن نصنف المغرب كدولة إرهابية مادام يحمل جنسيتها المدعو عبدالقادر بلعيرج – مثلا - الذي إعترف بدور كبير قد لعبه في إطار تهريب السلاح لجبال الجزائر، والأخطر أن مصادر أخرى قوية تفيد أن بلعيرج عميل مزدوج بين المخابرات البلجيكية ونظيرتها المغربية؟!! هل من الممكن أن نعمم الأمر على الجيش المغربي الذي تورط بعض ضباطه في تهريب المخدرات للجزائر والتي صارت مصدرا لتموين الجماعات الإرهابية؟!
خرافة التهريب في منطقة محرّمة
في آخر تطورات هذه المسرحية المخزنية، أن وزير الداخلية المغربي، الطيب الشرقاوي، أعلن يوم الأربعاء 12 جانفي الجاري، من أن 5 جنود مغاربة يقفون وراء تهريب هذه الأسلحة، وذلك بحصولهم على رشاوى من طرف المهربين، وفي هذا السياق تحدثنا مع مهرب يقيم في مدينة الداخلة، والذي أكد لنا من أن التهريب يتم عن طريق بئر كندوز وهو شبه قطاع عسكري تابع للقطاع العسكري وادي الذهب، والمنطقة قريبة من الحدود مع موريتانيا من جهة المحيط الأطلسي وتبتعد عن أمغالا بمئات الكيلومترات، وأكد لنا المهرب الذي يشتغل على تهريب السجائر والبضائع، من أن تحركهم في المنطقة المذكورة كان بسبب عدم تواجد قوات جبهة البوليساريو، وأيضا أن المنطقة ليست أمنية. وفي تعليقه عن التهريب في أمغالا كما زعمت وزارة الداخلية المغربية، فقد كذّب ذلك جملة وتفصيلا، لأنه لا يوجد تهريب أصلا في تلك المنطقة، كما أنه تساءل قائلا: ”عن اي تهريب يتحدث هؤلاء؟ السلع غير موجودة في تلك المنطقة، والجدار خطير للغاية والمنطقة تخضع لمراقبة عسكرية شاملة، فلا يستطع أحد أن يتحرك حتى لو يفكر المهربون في حفر أنفاق مثل أنفاق غزّة فلا يستطيعون ذلك أبدا”.
ضابط سابق في الجيش المغربي، تحدث لنا من أن الجدار العازل يتكون من ثلاثة أقسام سماها حواجز. الحاجز الأول هو حقل ألغام كثيف ويمتد عرضه على مسافة تفوق 100 متر ويتواجد على الجهة المحررة، الحاجز الثاني وهو عبارة عن أسلاك شائكة وشديدة الإلتفاف وصارت تكهرب الآن من حين لآخر، وبعدها يأتي الجدار الرملي كحاجز ثالث. فالمهرب يجب أن يتجاوز حقل الألغام وبعدها يقوم بقطع الاسلاك الشائكة وبعدها يجب أن يتجاوز علو الجدار، وهذا أمر في غاية الإستحالة، لأن قطع الأسلاك سيكشف الأمر في أول دورية مراقبة، هذا إذا سلمنا ولو كذبا من أن المهربين إستطاعوا تجاوز حقل الألغام الخطير جدا.
أما عن المراقبة العسكرية المكثفة، فنجدها تتكون من وحدات مكلفة بالمهمة، وهي تنقسم إلى أفواج وكل فوج يوجد به 5 أو 6 سرايا، والسرية تتكون من حوالي 120 عنصر (ضباط – صف ضباط – جنود)، وكلهم من العاملين لأن الخدمة الوطنية الإجبارية تمّ إلغاؤها طبقا لقانون 31 أوت 2006. وتتوزع الحراسة عبر مراكز على طول الجدار العازل، تفصل بينها مسافة لا تتجاوز 120 متر، وفي كل مركز تجد 6 جنود على الأقل وفي الأكثر 20 جنديا، والحراسة تمتد على مدار اليوم، و3 ساعات لكل دور. كما توجد دوريات أخرى على مدار الساعة تقوم بمسح المنطقة والمرور على المراكز، ومراقبة الحراس وتبديلهم عند نهاية كل دور.
إلى جانب الحراسة نجد المنطقة تخضع لتغطية شاملة بالرادارات التي تقع خلف مراكز الأفواج، وأيضا في منطقة قيادة شبه القطاع وأيضا القطاع العسكري لوادي الذهب، والتقارير ترفع يوميا لقيادة المنطقة، ولا يمكن أن يحدث شيء من دون أن تطالها الرادارات ويصل خبرها لقيادة الأركان.
بالنسبة للرشوة التي تحدث عنها وزير الداخلية وإتهامه لخمسة جنود، مما يعني أنهم حراس مركز واحد فقط، فلو سلمنا بصحة رواية وزير الداخلية بأن المهربين نجوا من حقل الألغام وقطعوا الأسلاك وقفزوا على الجدار ورشوا الجنود، فإنه سيتم توقيفهم من طرف الدوريات، وإن نجحوا في الإختفاء بالرغم من أن الأمر غير ممكن مطلقا، فإن الرادارات ستكشفهم لأنها تنقل صورا عن الأكياس البلاستيكية الصغيرة التي تذروها الرياح، وفي هذه الحالة يؤكد محدثنا أن الرشوة يجب أن تقدم للحراسة وللدورية ولقيادة السرية ولقيادة الأفواج ولقيادة شبه القطاع ولقيادة المنطقة، وهذا يعني أن ما يتحصل عليه المهرّب من دراهم معدودة لا تكفيه لشيء، فضلا من كل ذلك أن الوشاية تنتشر بينهم إلى درجة كبيرة، فلا يمكن أن يتفق هذا مع ذاك على امر جلل وخطير مثل تهريب السلاح من الجهة المحررة.
فتهريب الأسلحة من خارج الجدار أي من المناطق المحررة إلى الأخرى المحتلة، من سابع المستحيلات ولو كان المهربون من الجن الأزرق، كما علق صاحبنا الضابط.
أما تهريبها من الجهة الداخلية فهي لن تحدث مطلقا، إلا في حال موافقة قيادة “المنطقة الجنوبية” على ذلك وعلى رأسها الجنرال عبدالعزيز بناني، أو تحت إشراف جهاز المخابرات وبطريقة مدرسة للغاية يرعاها القصر الملكي.
بقلم: أنور مالك
الشروق اليومي 21 و22 جانفي 2011 http://www.anouarmalek.com/?p=4215#more-4215
2011/01/22
الجزائري بمغربيين … أو قصة صفعة بومدين للحسن الثاني
في هذه الأيام الصعبة عادت أمغالا الصحراوية التاريخية التي يحتلّها الجيش المغربي إلى واجهة الإعلام الدولي، ولكن للأسف الشديد جاء في إطار مسلسل تفكيك “الخلايا الإرهابية” الذي دأب عليه المغرب منذ سنوات، وبالرغم من أن عددها تجاوز حدود المعقول والممكن، إلا أنه لم نشهد ما يفيد بوجود مخطط فعلي لاستهداف المملكة المغربية.
آخر ما حدث هو إعلان وزارة الداخلية المغربية عن تفكيك ما وصفته بخلية إرهابية مدججة بأسلحة ورشاشات وقذائف وذخائر بمختلف الأنواع وذلك يوم الثلاثاء 04 جانفي الجاري، وفي منطقة أثارت نقاط ظل وتناقضات مختلفة، وعادت بنا إلى الغوص في أعماق الأمس البعيد.أمغالا تحمل في جعبتها الكثير من المحطات والأحداث البارزة، وخاصة في تاريخ كفاح الشعب الصحراوي ضد الاحتلال الأجنبي. نفتح أوراق أحد الملاحم التاريخية التي لم يسبق التحدث عنها مطلقا وطالها الصمت وحتى النسيان، نأتي على ذلك في خضمّ تصدّر أمغالا للواجهة الإعلامية وفي صورة مشوبة بالشكوك والقناعات المضادة، والتي تشير في مجملها إلى أن الأمر مجرد مسرحية دعائية عابرة، تدخل في إطار الأجندة المغربية التي تستهدف أساسا جبهة البوليساريو من أجل تحويلها لدى المجموعة الدولية إلى مجرد “منظمة إرهابية” لديها علاقات مفترضة مع ما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي“، وهو الذي فشلت فيه الترسانة الدعائية المغربية عبر تقاريرها الصحفية المكثفة التي لم تقدم أدنى ملموس ممكن أن يعتمد عليه أو حتى يضع الجبهة تحت طائلة أدنى الشبهات.
وقبل أن نخوض في جوانب أمغالا “الثالثة” كما وصفها البعض ممن يقدمون أنفسهم ككتّاب وصحفيين وأصحاب الباع الواسع في التحليل السياسي والأمني، نرى من الضروري أن نكشف واقع ما جرى في أمغالا الأولى والأخرى الثانية في عام 1976. فالمتوفر الآن هو رواية مغربية مكتوبة ومؤرخة على مقاس المخزن، ولا تزال الحقيقة غائبة عن القارئ والمتابع العربي والمغاربي، خاصة أن الجزائر الرسمية لم تعبأ بتلك الروايات المفبركة التي يروج لها “مؤرخون” لا ينظرون للأمور إلا بأعين حولاء تتماوج بين القصرين في الرباط، ولا يزنونها إلا بما يملى عليهم من هنا وهناك، كما أن من صنعوا تلك الملحمة تواروا في الظل ولم تطالهم أشعة الشمس، وسنكشف لأول مرة في تاريخ الجزائر تفاصيل هذه القضية الثورية بإمتياز.
الغدر المغربي في أمغالا الأولى
في نهاية شهر جانفي من عام 1976، وسنة بعد الغزو المغربي للصحراء الغربية في إطار ما سميت بـ “المسيرة الخضراء“، ومع استفحال ظاهرة النزوح الصحراوي بسبب حملة الإبادة الشاملة التي كان ينفذها الجيش المغربي بأمر من الملك الحسن الثاني، وجراء ذلك هبّت الآلاف من العوائل الصحراوية فارّة بجلدها ومن دون أن تتزود بقوت ولا غطاء ولا حتى الشراب، حيث تاهت في رمال وقفار الصحراء فضلت ركوب غبار الموت من أجل الوصول إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف الجزائرية، التي كانت الخيار الأوحد الذي لا ثاني له، لنجاتهم من بطش القوات الغازية والمتعطشة للدماء. وقد أقدمت السلطات المغربية على التصدي لجحافل الفارين والهاربين من القصف والقتل والتدمير، حيث تقوم بنصب الكمائن لهم ومنعهم بقوة السلاح من الفرار من الجحيم نحو تندوف. خلال ذلك كانت جبهة البوليساريو تقوم بعمليات نوعية وحسب الممكن لمساعدة هؤلاء الصحراويين لمغادرة الأراضي المحتلة وبأقل الخسائر، لأن المغرب فضّل حينها دفنهم أحياء في الرمال من أن يبلغوا غايتهم بمخيمات اللجوء.
الجزائر التي كانت مساعدتها الإنسانية والسياسية والدبلوماسية معلنة وصريحة وليست من وراء الحجب ولا الستائر، لم تتردد في تقديم المساعدة العسكرية لجبهة البوليساريو، وهذا الأمر كان معروفا وليس خفيا. وحسب ضابط سابق في الجيش الجزائري، أن القوات المسلحة الجزائرية ساهمت في مدّ يد العون للصحراويين المضطهدين والذين كانوا في أمسّ الحاجة لمغادرة بيوتهم التي تقصف وتنتهك فيها الحرمات من قبل الجيش الملكي المغربي، ولهذا دخلت كتيبة من الجيش الوطني الشعبي للتراب الصحراوي، وكانت تتكون من 160 فردا (5 ضباط و12 من ضباط الصف والبقية جنود)، يحملون أسلحة فردية وخفيفة من نوع كلاشينكوف وسيمينوف، وهي أسلحة يستعملها الجندي من أجل الدفاع عن نفسه فقط، وليس للقيام بأي عملية هجومية ضد القوات المغربية المتحرّشة بالصحراء الغربية. فلو كانت هناك نية هجوم لاستعملت الطائرات والمدرعات والدبابات والأسلحة الثقيلة، والجزائر كانت خلال تلك الفترة متفوقة عسكريا ومن ناحية التسليح على المغرب.
الكتيبة الجزائرية التي دخلت الأراضي الصحراوية بطلب من قيادتها، هدفها كان إنسانيا بحتا، وهو تقديم مساعدات للشعب الصحراوي، ولهذا لم تلجأ القوات المسلحة الجزائرية إلى تدعيمها بأسلحة ثقيلة، بل حتى عناصر الكتيبة كانوا من جنود الخدمة الوطنية الذين ليس لهم تدريب عسكري كامل بل تدريبهم لم يتعدّ الستة أشهر في ثكنات مخصصة لأداء الواجب الوطني وليست مدراس وكليات عسكرية عليا ومحترفة على غرار الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة أو المدرسة العليا للقوات الخاصة… الخ.
ويضيف الضابط الجزائري السابق، أنه أثناء تواجد الكتيبة الجزائرية بالأراضي الصحراوية وهي في متوجهة لمعاقل جبهة البوليساريو وبعد أيام قضتها في الطريق الصحراوي، وعندما وصلت منطقة أمغالا تفاجأت بحصار ضرب عليها من طرف القوات الملكية التي كشفت أمرهم، ووقع اشتباك بين الطرفين ونشبت حينها معركة حامية الوطيس دامت يومين كاملين، وكانت القوات المغربية تتفوق على الكتيبة الجزائرية في العدد والعدة والعتاد، وتمّ أسر أغلبية الجنود الجزائريين وفرّ آخرون في الصحراء وماتوا عطشا. تم أسر 99 عنصرا بينهم ضابط إحتياطي واحد وهو السيد باشة نورالدين، عكس ما زعمته وسائل الإعلام المغربية .
الضابط العامل الوحيد الذي قاد الكتيبة لم يتم أسره، فقد رفض الاستسلام للقوات المغربية المهاجمة وتمكن من الفرار نحو الصحراء ومات عطشا، وأيضا 3 ضباط إحتياط آخرين قتلوا اثناء المواجهات.
في اليوم الموالي من العملية مباشرة، أعلنت وزارة الإعلام المغربية عن تفاصيل الحادثة، وراحت تهلل بما وصفته بالانتصار الكبير والعظيم على الجيش الجزائري، وبالغت فيه إلى أبعد الحدود، ولكنها تجاهلت أن الأمر لا يعدو سوى عملية استهدفت عناصر عادية من أبناء الخدمة الوطنية كانوا بصدد مهمة إنسانية وليست عسكرية كما زعم حينها القصر الملكي.
السلطات المغربية استغلت الواقعة حينذاك، وكعادتها دائما في تقليب الحقائق وفق أجندة خاصة بها، وراحت تروج لها من أجل أن تبرز للرأي العام الدولي من أن الجزائر قد أعلنت عليها الحرب، ومن جهتها اعترفت الجزائر بتغلغل كتيبة من القوات الجزائرية في الأراضي الصحراوية وليست المغربية وهذا من أجل تقديم يد المساعدة للشعب الصحراوي، وحدث ذلك بطلب من جبهة البوليساريو بصفتها معترف بها كممثل شرعي ووحيد للصحراويين، ولهذا فدخول كتيبة الجيش الوطني الشعبي إلى الصحراء الغربية لا يمكن أن نعتبره خرقا للأراضي المغربية المعترف بها دوليا. وفي السياق نفسه أكدت الجزائر رسميا من أن القوات المغربية قد أسرت عددا كبيرا من أفراد تلك الكتيبة.
ملحمة أمغالا الثانية التي يخجل منها القصر الملكي
الرئيس الراحل هواري بومدين لم يكن من طينة الرجال الذين يغضّون الطرف عن مثل هذه الحوادث الكبرى، ولا هو ممن يتخلون عن رعاياهم ويستسلمون للغدر ويجعلونه قضاء وقدرا لا يمكن التصدي له، وهذا الذي يجمع عليه من عايشوه وكانوا مقربين منه. فقد اعتبر هجوم القوات الملكية المغربية على الكتيبة الجزائرية هو الغدر بعينه، وخاصة أن هذه الكتيبة في مهمة إنسانية نبيلة ولم تكن مسلحة بالقدر الذي يمكن أن تتجرأ على مهاجمة قوات نظامية محتلّة ومدججة بأسلحة ثقيلة وأخرى فتاكة. فقرر أن يرد الصاع صاعين على القصر الملكي، ولهذا هيأ خطة للأخذ بالثأر أشرف عليها شخصيا وتابع فصولها بنفسه.
انتقل الرئيس هواري بومدين إلى مدرسة القوات الخاصة “الكومندوس“، وطلب من قيادتها اختيار أحسن العناصر الذين يمكن أن يعوّل عليهم في مهمة خطيرة وثقيلة، لا خيار ثالث فيها بين الموت أو الحياة. كما طلب الرئيس فقد جرى اختيار أفضل العناصر من الناحية البدنية والعسكرية والإنضباط ، وتمّت مضاعفة قدراتهم بتدريبات استثنائية وكثيفة على مدار 15 يوما لا ينامون إلا قليلا. وبعدما أظهروا براعتهم وإمكانياتهم الميدانية والتطبيقية العالية، نقلوا إلى ولاية تندوف على جناح السرعة، وقد تابع الرئيس هواري بومدين شخصيا مرحلة التدريب التي خاضتها الفرقة الخاصة، وقد حدد لها هدفا معينا ويتمثل في أسر ضعف ما أسره المغاربة، قائلا لهم: “حتى يساوي الجزائري مغربيين اثنين وإلا لن يهنأ لي بال“.
خلال ذلك قام بتكليف العقيد محمد الصالح يحياوي بالإشراف على تنفيذ العملية ومتابعتها حتى النهاية، الذي لديه تجربة عسكرية في تندوف وقاد أيضا الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال وعضو في مجلس الثورة، والتعيين هذا هو أكبر دليل على مدى أهمية العملية لدى الرئيس الراحل هواري بومدين.
قبل الشروع في الهجوم غادر الرئيس التراب الجزائري متوجها للجماهيرية الليبية وذلك في منتصف شهر فبراير 1976، وفي تلك الليلة تم تنفيذ الإغارة على فيلق مغربي يتجاوز عدد عناصره 350 فردا كانوا مدججين بشتى أنواع الأسلحة، حيث تمّ الفتك بعناصر الحراسة ومجموعة الخفارة، وانقضّت الفرقة الخاصة للكومندوس الجزائري على بقية الفيلق الذين كانوا يغطّون في نوم عميق بخيماتهم، جرى تدميره كاملا ولم ينجو منه أحد حيث تمّ أسر ما يقارب 250 فردا من مختلف الرتب، أما البقية فقد لقوا حتفهم أثناء الهجوم. في حين لم يمس الجانب الجزائري ولو بخدوش بسيطة وعابرة.
فزع الملك الحسن الثاني عندما تلقى نبأ الكارثة التي وقعت لجيشه، ولتوّه أبرق رسالة للرئيس هواري بومدين، طالبا فيها المبادرة بالإعلان الرسمي عن الحرب بين البلدين أمام الرأي العام العربي والدولي. استهزأ الرئيس هواري بومدين من برقية الملك المغربي، واكتفى الرد العملي الجزائري بنشر رسالة الملك كاملة على صفحات الجرائد الوطنية، والهدف الأول والأساسي من ذلك هو إعلام الرأي العام الوطني من خلال محتوى برقية الملك الحسن الثاني، أن الجيش الوطني الشعبي أخذ بثأر الكتيبة التي غدر بها قبل أيام، ومما إعترف به الحسن الثاني أنذاك أن كمندوس جزائري أغار على فيلق مغربي ليلا وقام بإبادته وأدى ذلك في وقوع “عشرات الجرحى والقتلى من أبنائه” على حد تعبير الملك المغربي، والذي تحدث أيضا بلغة المنكسر عندما ختم رسالته طالبا من الرئيس بومدين أن يعمل من أجل تجنيب البلدين مأساة أخرى، وفي الوقت نفسه أظهر إستعداد للسلام وفق ضمانات دولية، والأهم هو طلبه بأن يعلن بومدين الحرب صراحة على المغرب.
لم يكلّف الرئيس هواري بومدين نفسه عناء الرد الرسمي على الملك المغربي الحسن الثاني، إذ اكتفت وكالة الأنباء الجزائرية بمجرد شبه ردّ مقتضب، مما أشار إليه وأكده بإختصار، أن المشكل قائم بين المغرب وجبهة البوليساريو، وإذا أراد المغاربة معرفة هوية الذين أغاروا على فيلقهم وفتكوا به، ما عليهم إلا اللجوء لجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، من أجل أن تزودهم بما حدث في أمغالا الثانية.
بالنسبة للرأي العام الدولي، لا يمكن مطلقا أن تتهم الجزائر بالعدوان على المغرب كما يريد هذا الأخير، باعتبار أن رئيس الدولة هواري بومدين كان خارج التراب الجزائري، كما هو معلوم أنه لا يمكن القيام بعملية عسكرية بهذا المستوى في غياب الرئيس. وبالتالي من غير المستقيم والسليم في العرف العالمي، أن يحكم المجتمع الدولي على الجزائر من أنها شنّت عدوانا على جيش جارتها المملكة المغربية. وهذا ما كان يريده الرئيس هواري بومدين عندما غادر الجزائر بيوم قبل تنفيذ العملية، وهو دهاء لا مثيل له من رجل حرب محنك عايش حقبة ثورة التحرير كقائد ميداني وبعدها صنع صيتا سياسيا للجزائر لا يمكن تخيله أبدا، وهو الذي يعترف له به الأعداء قبل الأصدقاء.
لقد نجحت العملية بدرجة فاقت توقعات مهندسها الرئيس الراحل هواري بومدين، وتحقق ما يصبوا إليه من أسرى فضلا عن الرعب الذي دبّ في أوساط القوات المغربية بالصحراء الغربية التي صارت تعيش كابوسا حقيقيا زادته حدّة ضربات جبهة البوليساريو المتتالية، ولم يذق الجيش المغربي طعم الراحة إلا بمعاهدة وقف إطلاق النار كما إعترف بذلك ضباط وعسكريون سابقون.
نذكر للتاريخ، أنه لما طلب الملك الحسن الثاني الإعلان الرسمي عن الحرب، سخر منه الرئيس هواري بومدين في خطاب ألقاه بتاريخ 24 فبراير 1976 بمناسبة الذكرى الخامسة لتأميم المحروقات، حيث قال باستهزاء: “لقد طلب منا ملك المغرب الإعلان الرسمي عن الحرب وكأنه يعتقد أن الحرب مباراة كرة قدم، فالحرب أصعب من ذلك بكثير ولا يعرفها الملك لأنه لم يخض حربا مثل التي خضناها طيلة سبع سنوات ضد رابع قوة عالمية“، وأضاف أيضا: “الحرب ليست لعبة صبيان” وهكذا ختم الرئيس الراحل حديثه في الموضوع.
وبذكائه المعهود والمعروف والشائع عنه، وبلهجة الهامس في أذن الملك المغربي، حتى يشعره بأن عملية أمغالا الثانية هي من صنع الجيش الجزائري، وخاصة أن الرئيس كان يعلم بمدى المهانة التي أحسّ بها الملك من خلال تلك الصفعة الرهيبة التي ظل يخجل منها لاحقا ويتحاشاها ولو بحديث عابر، قال الرئيس هواري بومدين: “يتكلمون عن أمغالا الأولى ولما لم نتكلم عن أمغالا الثانية“، واكتفى بذلك الإيحاء فقط من أجل أن يبرهن أن العملية كانت درسا للجيش الملكي لا يمكن أن تمحى بتزوير الحقائق ولا بالتجاهل والإنكار. ولا يزال ليومنا هذا كتّاب التاريخ على مقاس حذاء الملك لم يهضموا الحادثة، ولا تزال تشكل عقدة نفسية رهيبة ومخجلة لدى القيادات العسكرية المغربية، وتتوارثها من جيل لآخر حتى يومنا هذا، بل حتما ستبقى تلاحق الجيش المغربي إلى الأبد.
عندما ساوى الجزائري مغربيين في ليلة القدر
إن الجزائر لم تعترف علانية بهجوم أمغالا الثانية، ولكنها بذلت جهودا جبارة وعبر قنوات مختلفة لإطلاق سراح الأسرى الجزائريين الذين جرى أسرهم في أمغالا الأولى. وبعد سنوات طويلة من الشدّ والمدّ، أبرم الاتفاق بين البلدين، حيث تمّ تبادل الأسرى على الشريط الحدودي بين الجزائر والمغرب، في25 ماي 1987 الموافق لليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المعظم 1407 هجري، وخضع حينها المغاربة مكرهين إلى ما أراده وخطط له الرئيس الراحل هواري بومدين في حياته، حيث ساوى جزائري بمغربيين وزيادة، ظهر ذلك واضحا وجليا أثناء عملية التبادل فتم تسليم ما يقارب 250 اسير مغربي مقابل 102 من الجزائريين.
اكتفت السلطات الجزائرية بمنح امتيازات للأسرى الذين تمّ تحريرهم، وتتمثل في السكن والمتاجر وأجر كامل كتعويض عن سنوات تواجدهم في غياهب سجون الحسن الثاني، في حين أن السلطات المغربية من جهتها عملت على إبراز أسراها إعلاميا في إطار أجندتها الرامية لإقناع الرأي العام الدولي بأن الجزائر أسرت جنودا وضباطا مغاربة في إطار حرب غير معلنة، وقد ظهر الأسرى في القنوات التلفزيونية والصحف والإذاعات بطريقة مكثفة، ولكن بمجرد أن بادر هؤلاء الأسرى بطلب امتيازات اجتماعية عادية سدّت في وجوههم كل أبواب أجهزة الإعلام الرسمية وطويت صفحتهم إلى أجل غير مسمّى.
إذا كانت أمغالا الأولى قد صبّت في أقداح المغرب وكانت في صالحه عندما حقق مبتغاه في أسر جنود جزائريين من عناصر الخدمة الوطنية، وكثر عليها الحديث وسال الحبر بصورة رهيبة. فإن أمغالا الثانية الحقيقية وليست المزيفة، كانت في صالح الجزائر أضعافا مضاعفة وجرى أسر ضباط وصف ضباط وجنود عاملين في الجيش الملكي، غير أنها لم يسيل لها الحبر ولو بقطرة واحدة، ولا يوجد من كتب في العملية أو بحث في أغوارها، والسبب بسيط جدا وهو أن مهندسها الرئيس الراحل هواري بومدين رجل يؤمن بالأفعال وليس بالأقوال كما ظل يردد مرات عديدة، فضلا من أن الهدف هو تحرير السرى وفق مقاربة حددت معالمها تنبع أساسا من تحدي بومدين للحسن الثاني في محطات كثيرة ومختلفة.
ويكفي دلالة على ذلك أن الملك الحسن الثاني لم يتمكن من زيارة العيون ولم تطأ قدماه تراب المدينة التي يزعم أنه حررها من الإسبان ثم إسترجعها في مسيرته الخضراء، إلا بعد وفاة الرئيس هواري بومدين رحمه الله. وقد تحدّى الملك الحسن الثاني علانية، أنه سيشرب الشاي بالعيون في إطار الخطاب المخزني المعروف والذي يستهدف دوما الجزائر على موقفها المبدئي من القضية الصحراوية ودعمها المعلن لجبهة البوليساريو بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، فردّ بومدين بمقولته المشهورة وهو يؤمن بالشخصية الصحراوية التي ترفض الإستعمار مهما كان نوعه: “إذا شربت الشاي في العيون فسأعطيك شنباتي نعناع“.
قائمة الأسرى الذين حررتهم أمغالا الثانية
والأسرى الجزائريين الذين تمّ تحريرهم كان عددهم 102 حيث إلى جانب 99 الذين أعتقلوا في أمغالا الأولى جرى تحرير 3 مساجين آخرين، والمعنيين بالأمر الذين تنشر اسماؤهم لأول مرة هم كالتالي: عاشور محمود، بشّه نورالدين، حويشي محمد، حبيب أعميروش، نحيلة بوحفص، آيت قاسي عبدالرحمان، عموري حسين، بن رخروخ محمد، بن زعرة رزوق، بواصطية محمد، جابري محمد، قرزو عبدالكريم، كيزان عبدالله، علمي عمر، سعودي محمد لمين، بن سليمان الطاهر، بوزيان بن سالم، بوزيان العمري، طالحي الحاج، ياحي محمد الطاهر، بوقواصى الطيب، بن مريم بن زروقي، بن صالح عبدالقادر، بوقرة محمد، بويكن باهي اعمر أحريز، فرحات سليم، خنفوسي عامر، مباركة رشيد، ملياني أرزقي، مفلاح أحمد، مناد العربي، موساوي أحمد، أوقيدة محمد، زويش عبدالقادر، زرقي محمد، عبدادي أحمد، عبدون علي، عدمي عبدالقادر، علالي محمد، عميرش محمد، عربوش عبدالقادر، بدري رمضان، بهادي مبروك، بقادي محمد، براكشي أحمد، بشيبشي محمد، بشيري لخضر، بلحاج عبدالرحمان، بن عبدالله محمد، بن دريسي عبدالقادر، بن سعادة العربي، بن دحمان مصطفى، مفتاح بلحرش، مسعودي محمد الصالح، مليح الجيلالي، محمدي عبدالله، موهب أعمر، مومني محفوظ، نسيب علي، أوبلعيد محمد، رباط أحمد، رحال إبن حنبل، صالحي أحمد، سعود محمد العيد، سيراط بكار، قمني العيد، طاسيدا بلعيد، تكسانة زهير، توالميت حمو، طراد لحباسي، بوساري محمد، زامبو مبروك، روابح علي، نمير الحاج، جوبالي مبروك، بن تركي عبدالقادر، بربوشي محمد، بوشراق الشريف، بودلال عبدالقادر، بوزدي محمد، شعشوعة إبراهيم، شيلا رشيد، جعفري علي، جيدل علي، ضياف محمد، ديالم بن يوسف، ذويبي نواري، فكراوي عبدالباقي، فغول أرزقي، غزيوي رمضان، حماني أحمد، حمدي صافي، قداش لخضر، كحلي عبدالقادر، خالدي عبدالسلام، خدران محمد، كوبيتي جلول، لبيود محمود، لعلام عبدالقادر، العربي ناصر، محبوط إبراهيم، منصوري محمد.
أجندة قذرة فضحتها أمغالا “ثالثة” مزعومة
في سياق حديثنا عن ملحمة أمغالا، نعود للحادثة الأخيرة التي أشرنا إليها في مطلع مقالنا، حيث زعم المغرب تفكيكه لخلية سمّاها إرهابية بمنطقة أمغالا، وكشفت مخابيء أسلحة تتكون من 30 رشاشا من نوع كلاشينكوف و3 مسدسات رشاشة وقاذفتين من نوع “أر بي جي 7″ وقاذفة من عيار 82 مم و66 خزنة للذخيرة وذخائر حية. وهو ما دفع دوائر مخزنية معروفة إلى وصفها بأمغالا “الثالثة” على أساس آخر ووفق رؤية غير صحيحة ولا تمت للواقع بأدنى صلة، كما فعل أحدهم على سبيل المثال لا الحصر ويدعى محمد لشهب بجريدة “المساء” في عددها 1334 الصادر بتاريخ 06 جانفي الجاري، حيث نجده قد حلب في إناء مقاربة مغربية معهود ومروّج لها، ورأى المذكور أعلاه على غرار كتّاب آخرين، أن حادثة أمغالا تنقسم إلى معركتين متتاليتين، الأولى حدثت بتاريخ 27 فبراير 1976 حيث أسر فيها 12 جنديا جزائريا من طرف الجيش المغربي وسميت عندهم “أمغالا الأولى“، والثانية وقعت في 28 فبراير من العام نفسه تم أسر أكثر من مئة جندي جزائري أيضا، وأطلقوا عليها “أمغالا الثانية“. ومن باب ستر العورة والقفز على التاريخ، يتجاهلون أمغالا الحقيقية الثانية التي روينا قصتها لأول مرة، ليس بسبب الإنكار المعلن فقط بل من فرط خجل لا يزال يلاحق القصر الملكي وعلى رأسهم الحسن الثاني ثم نجله محمد السادس وسيورثه لولي عهده كذلك، وهو ما يظهر لدى الجيش الملكي وقياداته المتعاقبة، لأن إبادة فيلق وأسره بتلك الطريقة المهينة ومن دون إطلاق رصاصة واحدة، لا يمكن أن تمحوه جرّة قلم مهما كانت قوتها وحيلتها.
ضابط مغربي سابق وصف العملية المعلن عنها مؤخرا، بأنها كذبة وبدعة كبيرة لا يصدقها أحد، لأن أمغالا تقع داخل منطقة عسكرية ممنوعة بصفة مطلقة على المدنيين، ولا يمكن أن يتجرأ أحد ولو كان راعي نوق أو ماشية على اختراقها، فضلا من أن الأمر يتعلق بخلايا موالية لما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي“، إلا إذا كانت العملية تحت رعاية أمنية مغربية وفي هذه الحالة أن القضية لا تتعلق بخلية إرهابية بل أن الجيش الملكي هو من يجب أن يتابع على أسلحته التي يدفنها في الخلاء ويجعلها في متناول “القاعدة“. وأضاف: “الإعلام المغربي يستغلّ جهل الناس لجغرافية المنطقة، ونفس الشيء حدث لما أوقف المدعو ولد سلمى في مهيريز، إذ أعلنوا أن المكان يتواجد على مقربة من الحدود الجزائرية، بينما في الواقع يبعد 40 كم من الحدود الموريتانية و300 كم عن الحدود الجزائرية“.
الضابط المغربي الفار بإسبانيا عبدالإله عيسو، بهذا الخصوص تحدث قائلا: “شبه قطاع أمغالا تابع لقطاع الساقية الحمراء، والمخابئ كما ذكر، تمّ العثور عليها في خنق الزريبة على بعد 220 كم من العيون، و35 كم من الحزام الأمني، و25 كم من مركز قيادة شبه القطاع. فكيف يفسّر المسؤولون العسكريون بالمنطقة وعلى رأسهم الجنرال قائد قطاع الساقية الحمراء وقائد شبه قطاع أمغالا، وجود هذه المجموعة من الإرهابيين وهذه الكمية من الأسلحة في منطقة مسؤوليتهم؟ أين كانوا حين كانت الأسلحة تدفن على مقربة منهم؟ لقد أمضيت ما يقارب الثماني سنوات من مسيرتي العسكرية في المنطقة نفسها، وفي الفوج 49 للمشاة، وأؤكد أنه لا يمكن لذبابة أن تدخل المنطقة دون أن يتم رصدها، فالإجراءات الأمنية صارمة جدا، فمن المستحيل التسلل عبر الحزام الأمني، مرورا بالأراضي الصحراوية المحررة، ومن المستحيل قدوم مجموعة الإرهابيين والأسلحة من داخل التراب المغربي، فكيف وصلوا إلى أمغالا؟ هل لديهم صحون طائرة؟!!”. كما يضيف أيضا: “لا أدري كيف تمّ نقل تلك الأسلحة إلى ذلك المكان الأمني والمراقب بشدة، فلا توجد سيارة أو حتى دابة تدخل من دون أن يتم إكتشافها، فإختيار المخابيء داخل الجدار الأمني هو أكبر دليل على أن القضية مفبركة من أساسها، ولو نسلّم بصحة القصة فهنا يجب علينا إدانة الجيش المغربي بأنه يعمل مع شبكات القاعدة، وأكبر دليل هي هذه الأسلحة التي خزّنت في منطقة لا يمكن لأي كان أن يدخلها إلا بموافقة القيادة العسكرية“. أما عن الأسلحة فعلق عيسو: “توجد مخازن تابعة لجهات أمنية تتناثر هنا وهناك وفي تلك المناطق وأمر سهل الإدعاء بمثل ما جاء به المخزن“.
أحد عناصر المخابرات المغربية أكد لنا من أن القضية مفبركة وتورطت فيها مخابرات بلاده، وهذا مجرد فصل من فصول مخطط استخباراتي من أجل إقناع العالم بفرضية غير موجودة أصلا وتتعلق بإختلاق علاقة وهمية بين جبهة البوليساريو وما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي“.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه لا يستبعد أن تكون هذه الأسلحة لديها علاقة مع الناظور، حيث جرى تفتيش قامت بها الأجهزة الأمنية برفقة المخابرات بداية من 18 ديسمبر المنصرم ومن دون غطاء قضائي، بعدما استلم المغرب المدعو علي أعراس من إسبانيا في 14 ديسمبر 2010، والمشتبه بالانتماء إلى شبكة عبدالقادر بلعيرج، والذي أوقفته السلطات الإسبانية في أبريل 2008.
كما أكد لنا أيضا من أن المرحلة القادمة ستسجل عدة سيناريوهات جديدة، منها مثلا مخطط عملية فرار إسلاميين من أحد السجون المغربية، وبعدها يتم توقيف بعضهم في الصحراء الغربية وتسجيل اعترافاتهم من أنهم كانوا بصدد تشكيل فرع لتنظيم القاعدة بالصحراء الغربية وتحت رعاية من بعض قادة البوليساريو، التي ستتهم من قبل المخزن برعاية فارين آخرين في المناطق المحررة.
وأضاف محدثنا في إطار كشفه لبعض جوانب السيناريوهات المغربية المعدّة سلفا، من أن مرحلة أخرى ستأتي لاحقا وسنشهد فيها عملية تفجيرات قوية تستهدف مدنيين أو أجانب أو حتى القوات الأممية، وبعدها سيجري الإعلان عن تفكيك خلية إرهابية تعتبر القاعدة الخلفية لتنظيم المدعو عبدالمالك دردوكال وكنيته “أبو مصعب عبدالودود“، وسيتوزع عناصرها ما بين الداخلة والسمارة وحتى ضواحي العيون، وسيزجّ ظلما بشبان من الصحراء الغربية في هذه القضية.
ويؤكد رجل الاستخبارات المغربية من أن ما يسمى “خلية أمغالا” هي تمهيد آخر لسلسلة من العمليات الإرهابية تشبه تفجير فندق “آسني ” بمراكش عام 1994، والذي تورط فيها الجهاز من أجل ترتيبات إستهدفت الجزائر، هذه العمليات ستنفذها المخابرات المغربية خاصة في بعض المدن الصحراوية الكبرى التي تخضع لسيطرة الجيش الملكي.
وعن “خلية أمغالا” يذهب محدثنا إلى أن الجهات التي أشرفت على إخراج السيناريو أرادت إقناع الهيئات الدولية التي ظلّت تشكّك في مصداقية تلك الخلايا التي يعلن عن تفكيكها من حين لآخر ومن دون إظهار المتهمين ولا ما بحوزتهم من أدلة الإدانة كالأسلحة والمنشورات التحريضية مثلا، وخاصة أن قضية عبدالقادر بلعيرج وأسلحتها لم تعد لها تأثيراتها الإعلامية ولم تحقق غايتها المرجوة والمخطط لها. ولهذا لجئوا هذه المرة إلى إظهار كميات كبيرة من الأسلحة بعد تفكيك عدة خلايا مفترضة وغير مسلحة ولا تحمل أدلة إدانة، والتي يؤكد رجل الإستخبارات المغربية، أن “الأسلحة تم نقلها ودفنها في أمغالا برعاية الجنرال عبدالعزيز بناني، ولا توجد أي خلية أصلا، كل ما في الأمر هو اعتقال شبان أبرياء وسيتم إظهارهم إن اقتضى الأمر لاحقا للرأي العام ويجبرون على اعترافات معدة سلفا تدين الجزائر وجبهة البوليساريو“، على حد تعبير صاحبنا الذي أشار أيضا إلى العقيد في الدرك الملكي عبداللطيف مكوار، الذي هب في تصريحات علنية على مرأى الصحفيين بأمغالا خلال الأيام القليلة الماضية، من أن الخلية فككت بناء على معلومات تحصل عليها الجنرال عبدالعزيز بناني، وهي سابقة في هذا المجال يضيف محدثنا، لأن إدراج إسم الجنرال وفي تصريح صحفي ومن دون أدنى توضيحات، لديه أسباب أخرى خفية، وهي أن الجنرال عبدالعزيز بناني كان يمر بمرحلة عصيبة بسبب القرار الذي سيصدر خلال الأسابيع القادمة من خلال إجتماع عسكري، والذي سيقضي بإحالته على التقاعد الإجباري بسبب وضعه الصحي، فرفض إحالته على التقاعد لإمتيازات تتعلق بالنفوذ والمال والأعمال، ولم يجد غير خلية القاعدة المزعومة بـ “المنطقة الجنوبية” التي تخضع لرئاسته، من أجل أن تفرضه على القصر الملكي، وهو الذي تحقق له بالفعل بعدما تقرر التراجع عن القرار حسب ما أفاد به صاحبنا.
صحفي مغربي آخر فضل عدم الكشف عن هويته، أكد أنه تواصل مع أحد الصحفيين الذين رافقوا قيادة الجيش نحو المنطقة التي تمّ فيها العثور على مخابئ الأسلحة والذخيرة والقذائف، وأكّد له أنها منطقة أمنية مكشوفة ولا يمكن الوصول إليها من دون المرور على مراكز عسكرية، إلا إذا كان هؤلاء يملكون طائرات نفاثة لا ترصدها الرادارات ولا أجهزة المراقبة.
ويضيف الصحفي المغربي من أن أحد العسكريين الذين لديهم إطلاع على محتوى القضية وكان حاضرا لحظة فتح المخابئ، أكّد لصاحبه بحسن نية ربما، من أن المخابئ التي عثروا عليها تبدو حديثة الحفر والإنجاز ولا تتجاوز عشرة أيام، وهذا ما يعضد فرضية دفن الأسلحة التي عثر عليها في الناظور أواخر ديسمبر المنصرم.
من خلال المعطيات المتوفرة، نرى أن عملية أمغالا الأخيرة، تدخل في إطار الأجندة الإستخباراتية المغربية التي سبق وأن تحدثنا عنها في دراستنا “المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر“، والتي يسعى المغرب من خلالها إلى فبركة أدلة ولو على حساب مواطنين أبرياء، يحاول من خلالها إدانة جبهة البوليساريو دوليا والوصول لحلمه المستحيل وهو أن تدرج كمنظمة إرهابية عالمية، فضلا من أن المغرب وجد نفسه في قفص الإتهام جرّاء ما حدث في العيون مؤخرا خلال شهر نوفمبر الماضي، فأراد أن يبعد الأنظار قليلا نحو الخطر الإرهابي القادم من الساحل والصحراء، ويرجح فرضياته التي ظلت لا تتجاوز قصاصات إستخباراتية توجه للخارج وتتكفل وسائل إعلامه بالترويج لها على طريقتها الخاصة.
لقد سبق وأن تحدثنا عن مخططات المغرب المستمرة لتوريط جبهة البوليساريو في قضايا الإرهاب، فبعد محاولات القصر الملكي مع بعض الأمراء الجزائريين أن يقوموا بتجنيد شبان من مخيمات اللاجئين في تنظيماتهم، ونذكر على سبيل الاستدلال ما رواه أمير “الجيا” عبدالحق العيايدة الذي كان موقوفا بالمغرب قبل تسليمه للجزائر، والذي طلب منه تنفيذ المهمة مقابل الإفراج عنه. بل معلومات أمنية متوفرة تفيد أن المغاربة الذين جرى توقيفهم في الجزائر وهم يستعدون للالتحاق بمعاقل ما يسمى تنظيم القاعدة، بينهم من إعترف بدور رسم له من طرف جهات أمنية مغربية لأجل تحقيق إختراق مخيمات اللاجئين بتندوف.
كما لاحظنا تهليل وسائل إعلام مغربية للمدعو عمر ولد سيد أحمد وكنيته “عمر الصحراوي” الذي سلمته موريتانيا لمالي خلال شهر أوت المنصرم في إطار صفقة معروفة من أجل تحرير الرهينتين الإسبانيتين روكي باسكوال والبرت فيلالتا، حيث أرادوا أن يقدموه كدليل ملموس على تورط البوليساريو مع “القاعدة“، وظهرت هنا مفارقة سخيفة وعجيبة في آن واحد، من خلال المعادلة المخزنية الغبية والغريبة، فمادام هذا الشخص من أصول صحراوية، فمعناه أن الجبهة إرهابية وحتى الشعب الصحراوي أيضا… ياله من منطق أعوج وأعرج!!
ترى ماذا يقول المغرب في مئات المغاربة الذين جرى توقيفهم وهم يهربون السلاح لمعاقل الجماعات المسلحة بالجزائر؟ هل يمكن أن نصنف المغرب كدولة إرهابية مادام يحمل جنسيتها المدعو عبدالقادر بلعيرج – مثلا - الذي إعترف بدور كبير قد لعبه في إطار تهريب السلاح لجبال الجزائر، والأخطر أن مصادر أخرى قوية تفيد أن بلعيرج عميل مزدوج بين المخابرات البلجيكية ونظيرتها المغربية؟!! هل من الممكن أن نعمم الأمر على الجيش المغربي الذي تورط بعض ضباطه في تهريب المخدرات للجزائر والتي صارت مصدرا لتموين الجماعات الإرهابية؟!
خرافة التهريب في منطقة محرّمة
في آخر تطورات هذه المسرحية المخزنية، أن وزير الداخلية المغربي، الطيب الشرقاوي، أعلن يوم الأربعاء 12 جانفي الجاري، من أن 5 جنود مغاربة يقفون وراء تهريب هذه الأسلحة، وذلك بحصولهم على رشاوى من طرف المهربين، وفي هذا السياق تحدثنا مع مهرب يقيم في مدينة الداخلة، والذي أكد لنا من أن التهريب يتم عن طريق بئر كندوز وهو شبه قطاع عسكري تابع للقطاع العسكري وادي الذهب، والمنطقة قريبة من الحدود مع موريتانيا من جهة المحيط الأطلسي وتبتعد عن أمغالا بمئات الكيلومترات، وأكد لنا المهرب الذي يشتغل على تهريب السجائر والبضائع، من أن تحركهم في المنطقة المذكورة كان بسبب عدم تواجد قوات جبهة البوليساريو، وأيضا أن المنطقة ليست أمنية. وفي تعليقه عن التهريب في أمغالا كما زعمت وزارة الداخلية المغربية، فقد كذّب ذلك جملة وتفصيلا، لأنه لا يوجد تهريب أصلا في تلك المنطقة، كما أنه تساءل قائلا: ”عن اي تهريب يتحدث هؤلاء؟ السلع غير موجودة في تلك المنطقة، والجدار خطير للغاية والمنطقة تخضع لمراقبة عسكرية شاملة، فلا يستطع أحد أن يتحرك حتى لو يفكر المهربون في حفر أنفاق مثل أنفاق غزّة فلا يستطيعون ذلك أبدا”.
ضابط سابق في الجيش المغربي، تحدث لنا من أن الجدار العازل يتكون من ثلاثة أقسام سماها حواجز. الحاجز الأول هو حقل ألغام كثيف ويمتد عرضه على مسافة تفوق 100 متر ويتواجد على الجهة المحررة، الحاجز الثاني وهو عبارة عن أسلاك شائكة وشديدة الإلتفاف وصارت تكهرب الآن من حين لآخر، وبعدها يأتي الجدار الرملي كحاجز ثالث. فالمهرب يجب أن يتجاوز حقل الألغام وبعدها يقوم بقطع الاسلاك الشائكة وبعدها يجب أن يتجاوز علو الجدار، وهذا أمر في غاية الإستحالة، لأن قطع الأسلاك سيكشف الأمر في أول دورية مراقبة، هذا إذا سلمنا ولو كذبا من أن المهربين إستطاعوا تجاوز حقل الألغام الخطير جدا.
أما عن المراقبة العسكرية المكثفة، فنجدها تتكون من وحدات مكلفة بالمهمة، وهي تنقسم إلى أفواج وكل فوج يوجد به 5 أو 6 سرايا، والسرية تتكون من حوالي 120 عنصر (ضباط – صف ضباط – جنود)، وكلهم من العاملين لأن الخدمة الوطنية الإجبارية تمّ إلغاؤها طبقا لقانون 31 أوت 2006. وتتوزع الحراسة عبر مراكز على طول الجدار العازل، تفصل بينها مسافة لا تتجاوز 120 متر، وفي كل مركز تجد 6 جنود على الأقل وفي الأكثر 20 جنديا، والحراسة تمتد على مدار اليوم، و3 ساعات لكل دور. كما توجد دوريات أخرى على مدار الساعة تقوم بمسح المنطقة والمرور على المراكز، ومراقبة الحراس وتبديلهم عند نهاية كل دور.
إلى جانب الحراسة نجد المنطقة تخضع لتغطية شاملة بالرادارات التي تقع خلف مراكز الأفواج، وأيضا في منطقة قيادة شبه القطاع وأيضا القطاع العسكري لوادي الذهب، والتقارير ترفع يوميا لقيادة المنطقة، ولا يمكن أن يحدث شيء من دون أن تطالها الرادارات ويصل خبرها لقيادة الأركان.
بالنسبة للرشوة التي تحدث عنها وزير الداخلية وإتهامه لخمسة جنود، مما يعني أنهم حراس مركز واحد فقط، فلو سلمنا بصحة رواية وزير الداخلية بأن المهربين نجوا من حقل الألغام وقطعوا الأسلاك وقفزوا على الجدار ورشوا الجنود، فإنه سيتم توقيفهم من طرف الدوريات، وإن نجحوا في الإختفاء بالرغم من أن الأمر غير ممكن مطلقا، فإن الرادارات ستكشفهم لأنها تنقل صورا عن الأكياس البلاستيكية الصغيرة التي تذروها الرياح، وفي هذه الحالة يؤكد محدثنا أن الرشوة يجب أن تقدم للحراسة وللدورية ولقيادة السرية ولقيادة الأفواج ولقيادة شبه القطاع ولقيادة المنطقة، وهذا يعني أن ما يتحصل عليه المهرّب من دراهم معدودة لا تكفيه لشيء، فضلا من كل ذلك أن الوشاية تنتشر بينهم إلى درجة كبيرة، فلا يمكن أن يتفق هذا مع ذاك على امر جلل وخطير مثل تهريب السلاح من الجهة المحررة.
فتهريب الأسلحة من خارج الجدار أي من المناطق المحررة إلى الأخرى المحتلة، من سابع المستحيلات ولو كان المهربون من الجن الأزرق، كما علق صاحبنا الضابط.
أما تهريبها من الجهة الداخلية فهي لن تحدث مطلقا، إلا في حال موافقة قيادة “المنطقة الجنوبية” على ذلك وعلى رأسها الجنرال عبدالعزيز بناني، أو تحت إشراف جهاز المخابرات وبطريقة مدرسة للغاية يرعاها القصر الملكي.
بقلم: أنور مالك
الشروق اليومي 21 و22 جانفي 2011 http://www.anouarmalek.com/?p=4215#more-4215
No comments:
Post a Comment