Thursday, February 16, 2006

رسالة رئيس الدولة السيد محمد عبد العزيز إلى الأمين العام للأمم المتحدة




بئر لحلو، 03 02 2006
السيد الأمين العام،
في رسالة موجهة إلي سيادتكم (s/2006/52)، عادت الحكومة المغربية إلى الخلط وعدم الانسجام لكي تقوم، هذه المرة، بتقديم تفسير مفاجئ لمفهوم ومحتوى وقف إطلاق النار الساري المفعول وحول طبيعة تواجدها فوق الأراضي الصحراوية، مستغلة المناسبة، في الوقت ذاته، لتعلن عن حلها الوهمي لنزاع الصحراء الغربية.
في المقام الأول، دعني أذكر بأن وقف إطلاق النار الذي وافق عليه " طرفا " النزاع، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، كجزء لا يتجزأ من مخطط التسوية الرامي إلى " إتاحة الفرصة للشعب الصحراوي، من خلال استفتاء لتقرير المصير، حر وعادل، تنظمه وتشرف عليه الأمم المتحدة، بالتعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية، لممارسة حقه في تقرير المصير بحرية، في ظل ظروف مقبولة له و، بالتالي، مقبولة لدى المجتمع الدولي"، وفق ما تنص عليه الفقرتان 4 و 6 من مخطط التسوية (s/21360).
وفي شهر ماي من عام 1991، وفي استجابة لطلب رسمي للأمين العام، قام الطرفان بإبلاغه حول عدد وتسليح القوات المسلحة لكل منهما، والتحديد والدقيق للموقع الجغرافي الذي تتمركز فيه. وفي ذلك الإطار، فإن قوات الاحتلال المغربي تتواجد داخل المنطقة الواقعة غرب الحزام الدفاعي، الذي قسم به المغرب الصحراء الغربية. أما خارج الحزام، وفي اتجاه الشرق، فتتواجد القوات الصحراوية.
وبتاريخ 6 سبتمبر 1991، وبعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ووفقاً لما اتـُـفق عليه، تم انتشار المراقبين العسكريين التابعين للمينورسو بناء على هذه القاعدة الجغرافية، ليقوموا هكذا بالفصل بين قوات الطرفين المتنازعين. إن ذلك الانتشار لا زال إلى اليوم يحتفظ عملياً بنفس تلك الخصائص.
وإذن، وعلى عكس ما يزعم المغرب في رسالته، فإن الأراضي الصحراوية المحررة كانت موجودة آنئذٍ ولا تزال موجودة إلى اليوم، مثلما لا تزال هناك أراض واقعة تحتالاحتلال المغربي.
أما الأحداث العسكرية التي وقعت في منطقة التفاريتي، قبل أسبوع من دخول وقف إطلاق النار حيز التطبيق، والتي تشير إليها رسالة المغرب، فلم تكن ناتجة عن "غارة" للقوات الصحراوية، وإنما نجمت عن هجوم واسع وفاشل شرع فيه المغرب يوم 27 أغسطس 1991، في اتجاه منطقة التفاريتي المحررة، وهدف إلى سد الطريق أمام الشروع في تنفيذ مخطط التسوية، بعد أن كان قد عرقل وصول الدفعات الأولى من أطقم وتجهيزات المينورسو.
وكما تعلمون سيادتكم، فإن المينورسو، ومن خلال الاتفاقيات التقنية الموقعة مع الطرفين، تتمتع اليوم بإمكانية الاستمرار في تنفيذ مهمة مراقبة وقف إطلاق النار، كجزء لا يتجزأ من مخطط التسوية، إلا إذا كانت رسالة المغرب إليكم تحمل النية المبيتة في التنصل من هذا الاتفاق، وهو أمر ستتحمل الحكومة المغربية وحدها تبعاته السياسية والعسكرية.
في المقام الثاني، جبهة البوليساريو، وعلى غرار كامل المجتمع الدولي، لا تعترف بأي أساس قانوني للوجود المغربي في الصحراء الغربية. واتفاقيات مدريد في نوفمبر 1975، المذكورة في الرسالة المغربية، والتي بموجبها تنصلت القوة الاستعمارية السابقة بشكل سافر من مسؤولياتها كقوة مديرة للإقليم، كانت انتقالاً غير قانوني لا يلغي الطبيعة الاستعمارية للمشكل.
والمغرب، إضافة إلى ذلك، على إطلاع كامل بمحتوى وأبعاد القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، يوم 16 أكتوبر 1975، والذي نفى أن تكون للمغرب حقوق ترابية على بلادنا. كما أن المغرب على بينة أيضاً من الاستشارة القانونية التي قدمت، بناءً على طلب من مجلس الأمن الدولي، من طرف الدكتور هانز كوريل، المكلف بقسم الشؤون القانونية في الأمم المتحدة، يوم 29 يناير 2002، والذي يعتبر أن اتفاقيات مدريد " لم تنقل السيادة على الإقليم، ولا هي منحت لأي من الأطراف الموقعة عليها صفة القوة المديرة، وهو الشرط الذي لم يكن لإسبانيا، بمفردها، أن تنقله بشكل أحادي".
وما دام المغرب ليس قوة سيدة في الإقليم ولا هو قوة مديرة، فإن الوضعية القانونية للوجود المغربي في الصحراء الغربية لا يمكن وصفها إلا باللاشرعية. وطبقاً لوصف الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 3437، فإن الأمر يتعلق " باحتلال عسكري" وهو، بالتالي، وجود لا ينجم عنه نتائج قانونية ملزمة بالنسبة لأطراف أخرى ولا بالنسبة للمجتمع الدولي.
كما أن منع وفود إنسانية أو حكومية من دخول الإقليم ـ كما حدث مؤخراً مع وفد المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومع وفد مشترك لعدد من دول الشمال الأوروبي ـ والاستمرار في سياسة انتهاك حقوق الإنسان بحق السكان الصحراويين، ليس إلا تأكيداً على الطابع الوحشي لعملية احتلال عسكري.
في المقام الثالث، وبناءً على ما سبق، فإن الحل الوهمي المعلن في الرسالة يمثل "هروباً جديداً إلى الأمام"، يدخل في إطار التحدي المستمر من طرف المغرب لقرارات الأمم المتحدة.
فانخراط المجتمع الدولي في كل الجهود الرامية إلى حل نزاع الصحراء الغربية كان قائماً على أساس أن الأمم المتحدة موجودة أمام قضية تصفية استعمار. ومن هنا، يجب أن يتم حل المشكل بالضرورة وفقاً لميثاق منظمة الأمم المتحدة و، في هذا الإطار، وفقاً للقرارات الصادرة عن هيئاتها العليا، وهي القرارات التي كرست بشكل لا غبار عليه حق شعب الصحراء الغربية، غير القابل للتصرف، في اختيار مستقبله بشكل ديمقراطي وسلمي، عبر استفتاء لتقرير المصير.

ودائماً في هذا الإطار القانوني، صادق مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه على مخطط التسوية في قراره 658 (1990)؛ وقرر، بموجب القرار 690 (1991)، إرسال بعثة المبنورسو إلى الصحراء الغربية؛ وطالب بتطبيق اتفاقات هيوستن، في قراراه 1133 (1997)، وقدم دعمه الكامل لمخطط السلام لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية، في قراره 1495 (2003).
وفي كل مخططات السلام هذه، أوصت الأمم المتحدة باستفتاء يتيح للشعب الصحراوي أن يختار مستقبله، بدون أية قيود أو شروط تجاه حق تقرير المصير، المقدس من طرف الأمم المتحدة، ليختار ما بين الاستقلال أو الحكم الذاتي أو الانضمام إلى القوة المحتلة.
وعلى طول هذه العملية، ظلت جبهة البوليساريو متعاونة بشكل كامل، مع سيادتكم ومع مجلس الأمن الدولي، بغية التمكين من إعداد عملية السلام وفي التقدم الحاصل على طريق تطبيقه، بعد التوقيع على اتفاقيات هيوستن.

كما أن جبهة البوليساريو ردت إيجاباً على نداءاتكم، فأطلقت سراح جميع أسرى الحرب المغاربة لديها، وهي مبادرة إنسانية ومن أجل السلام لم تلقى الرد الملائم من الطرف المغربي. على النقيض تماماً، كثف المغرب، بدءاً من شهر ماي 2005، من سياسته القمعية
المعهودة، مع الأسف، والتي أدت إلى وقوع حالات اختفاء وتكديس المعتقلين في السجون على طريقة القرون الوسطى، وصولاً إلى التصفية الجسدية لنشطاء حقوقيين، الذي يضافون إلى عشرات الصحراويين الذين عـُـثر عليهم مؤخراً في مقابر جماعية، باعتراف من هيئات رسمية ومنظمات غير حكومية مغربية، بعد أن فـُـقدوا خلال سنوات سابقة.
من الواضح اليوم أن مسلسل السلام لم يتقدم نحو الهدف الذي أعد من أجله. إن عدم إيفاء المغرب بالتزاماته التي تقدم بها بشكل رسمي وصريح أمام حضرتكم وسابقيكم من الأمناء العامين وأمام مجلس الأمن الدولي، بموجب قبوله بخطة التسوية واتفاقات هيوستن، والتي شارك في إعدادها بشكل فعال، وكذا رفضه لمخطط السلام المقدم من طرف مبعوثكم الشخصي، جيمس بيكر، هي، بما لا يدع مجالاً للشك، الأسباب التي أدت إلى الجمود الحالي، وليس مرده إلى إلى ما زُعم من عدم قابلية تطبيق خطة التسوية.
إن سيادتكم، وكذا مجلس الأمن الدولي، لا يمكنكم الرضوخ أمام جمود خطير يحمل بذور خلق وضعية لا يمكن التحكم فيها، وخاصة في ظل استمرار انتهاك حقوق الإنسان قي حق السكان الصحراويين الذين هم اليوم رهائن لـ" قوة احتلال".
إن الأمم المتحدة هي اليوم أمام " الاحتلال اللاشرعي" من طرف دولة عضو فيها لأرض لا تزال في انتظار استكمال عملية تصفية الاستعمار منها، على غرار ما كانت عليه ناميببا وتيمور الشرقية وعشرات من الحالات في إفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي وآسيا.

في هذا السياق، فإن جبهة البوليساريو تود التذكير مرة أحرى بموقفها المعروف جيداً، على اعتبار أن استئناف المسار الاستفتائي، المصادق عليه من طرف مجلس الأمن الدولي، على أساس احترام المبادئ والحقوق التي لا تراجع عنها، والواردة في ميثاق الأمم المتحدة، هو وحده الكفيل بتوفير فرص حقيقية لحل عادل ودائم لنزاع الصحراء الغربية.
إن أي تصور آخر قائم على أفكار أو حلول وهمية ناجمة عن قطيعة المغرب مع الشرعية الدولية سيعني التخلي عن ميثاق الأمم المتحدة وتشريع " أمر واقع استعماري" وتكريس مبدأ القوة في العلاقات الدولية. إن سيادتكم ومجلس الأمن الدولي يجب أن تحولوا دون مسار من تلك الطبيعة وبتلك الأهداف، ذلك أنه سيعني، في تلك الحالة، نهاية مسلسل السلام ونهاية المينورسو و، التالي، نهاية السبب الجوهري وراء التوقيع الساري المفعول والمستمر على وقف إطلاق النار.
إن تلك التصورات التي ينم عنها الموقف المغربي المتضمن في الرسالة الآنفة الذكر لا يمكن أن تحظى بموافقة أو قبول جبهة البوليساريو، كطرف جوهري في مسلسل تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية.
وبإحاطتكم علماً بما سبق، أود أن أستغل المناسبة لأعبر لكم عن أسمى آيات التقدير والاحترام.
محمد عبد العزيز،
رئيس الجمهورية الصحراوية،
الأمين العام لجبهة البوليساريو "

No comments: