لو كان المطر رجلا لسجنوه
محمد ملوك 11/02/2009
لو كان المطر رجلا لسجنته السلطات المغربية ولنكلت به مع أول زخة له بتهم تخريب منشآت وممتلكات عمومية ، وتحريض الرأي العام ضدها ، وتشجيع المواطنين على العزوف عن صناديق الانتخابات ، وتكوين جبهة معارضة لسياساتها بدون ترخيص ، والتخطيط لخلق خلايا مستيقظة تكَذِّب كل شعار يراد به تنويم عقول وعيون الناس عن واقع مرير تفنن صانعوه في نسج خيوط مرارته بإحكام تام وعللوا عدم تغيره بأحكام وحجج ما أنزل الله بها من سلطان .
لو كان المطر رجلا لاختطفه أصحاب الحال من مقر سكناه في جنح الظلام ، ولأجبروه على توقيع محاضر غريبة الكم والكيف ، ولجرجروه في المحاكم بعد أن يتعرف على أبجديات التعذيب والإذلال والإرهاب النفسي والجسدي ، ولصوروه لنا في أبشع صورة يمكن تخيلها لرجل ما ليزج بعدها في غياهب سجون تفتقر لأبسط مقومات حقوق الإنسان .
لو كان المطر رجلا لقضى نحبه من زمان بعيد دون أن يسمع له صوت أو يرى له أثر ، لكنه ولحسن حظه كتب عليه أن يكون مجرد قطرات تحيي البلدان الميتة والأراضي الجافة بما تحمله في مكوناتها من نعم تتحول في حال هطولها على بلدان تشبه المغرب الحبيب إلى نقم تربك حسابات السلطات المخادعة وتدفع بالمواطن المغلوب على أمره إلى التوجه نحو رب الأرباب ليسأله النجاة من غيثه المنهمر وليلعن بين يديه كل مسؤول قصر في مسؤوليته وساهم بشكل أو بآخر في تحويل هذه النعمة إلى نقمة يخافها الكبير قبل الصغير .
نعم المطر تحول إلى معارض كبير في بلد الأغلبية الواهنة والمعارضة المهادنة والتكتلات المساكنة ، فكشف زور وبهتان الشعارات التي يرفعها مسؤولونا مع كل حملة انتخابية ، وبين مرة أخرى أن آخر ما يشغل بال الحكومة الموقرة والوزراء الأجلاء والقائمون على تسيير أمور الحياة بهذا الوطن هو المواطن ، وأكد بالدليل والبرهان أن العشوائية والتخبط والفساد والارتجال هي العناوين اللائقة واللصيقة بسياسة حكومة تسير بنا وبالبلد في طريق غير واضحة الملامح .
مدن وقرى أصبحت بين ليلة وضحاها مناطق معزولة ومنكوبة ، وعشرات القتلى والغرقى ، وآلاف المشردين ، ومفقودون يجري البحث عنهم ، ومنازل تهوي على رؤوس ساكنيها ، وشوارع وطرق تغمر أطرافها المياه ، وجسور وقناطر تتصدع في دقائق معدودات ، وفيضانات من كل جانب تهدد أرواح المواطنين ، وثلوج تحاصر من ينتمي إلى مغرب الهامش ، هذه هي الصورة المصغرة لحصيلة الأيام الممطرة الأخيرة ، ولو قدر علينا أن نستقبل المزيد من الأمطار في الأيام المقبلة فسنمسي لا محالة في خبر كان ، والسبب لا يعود بالدرجة الأولى لكثافة هذه الأمطار وغزارتها ، ولا إلى خروجها عن نطاق المألوف والمعتاد ، ولا يرجع إلى غضب السماء علينا أو إلى تحول أراضينا من أراض آمنة مطمئنة إلى أراض مهددة بالكوارث الطبيعية ومحفوفة بالتقلبات المناخية المكروهة ، ولكن السبب الرئيسي خلف ما نراه ونسمعه من كوارث مؤلمة وخسائر فادحة بعد انقشاع كل سحابة ممطرة يعود بالدرجة الأولى إلى غياب إستراتيجية مسؤولة فعالة وناجعة تتعامل بحكمة مع مثل هكذا حدث ، وإلى سوء بين في تدبير مرافق الحياة العامة ، وإلى خلل واضح في كل المشاريع الخدماتية مما يطرح علامات استفهام عريضة حول مصير الملايين التي دخلت على مدى السنوات الأخيرة إلى خانة المليارات وأنفقت على مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول ، وحول من يتحمل المسؤولية الكاملة للخسائر المطرية المتعددة .
إن الكارثة الحقيقية التي تهدد أمن واستقرار المغرب لا تتجلى في السيول والأمطار التي تعصف من حين لآخر بالمشاريع الوهمية الرسمية وتعري عورة البنية التحتية ـ إن وجدت ـ وتخلق الرعب والخوف في نفوس المواطنين والمواطنات ، ولا تتمثل في غرق مدينة أو إتلاف قرية أو ضياع منطقة أو تشريد مجموعة من الناس بفعل ارتفاع منسوب مياه سد أو فيضان نهر أو سيلان وادي معين ، ولا ترتبط بموسم شتاء ماطر ولا بفصل صيف حار ، بل هي أوسع من ذلك وأغلظ شأنا وأعظم من أن يُتحدث عنها في بضعة أسطر أو تتناول في فقرة من الفقرات .
الكارثة الحقيقية التي تتهددنا جميعا تتمثل في وجود مسؤولين لا يقدرون معنى المسؤولية ولا يكلفون أنفسهم عناء الاهتمام بمصلحة الوطن والمواطن ولا ينظرون لهذا الأخير إلا نظرة دونية ترى فيه مجرد ورقة تستدعى ليلعب بها أيام الحملات الانتخابية لترمى بعدها في سلة المهملات بعد أن تحَمَّل مسؤولية فشل كل مشروع وخيبة كل أمل ونتائج كل المصائب والنكبات .
فما معنى أن يتلقى المواطن رسائل رسمية عبر هاتفه المحمول تدعوه للمشاركة الإيجابية في الانتخابات البلدية المقبلة وتتوعده بكلمات مشفرة إن قرر العزوف عنها ولا يجد ولو إشارة يتيمة على هاتفه تحذره من التقلبات الجوية التي قد تضر بممتلكاته الشخصية ومصالحه الذاتية ؟؟؟
وما معنى أن تلدغ الحكومة بمساوئ المطر مرتين في ظرف زمني وجيز دون أن تستفيد من الكوارث السابقة ودونما أي استعداد يذكر لما قد يلحق بنا في المستقبل جراء التحولات المناخية التي يعرفها البلد ، وهل بمقدورها تحمل الانعكاسات الخطيرة للأمطار بدءا من تعطل الحياة وتهدم المنازل والتشرد والموت وانتشار الأمراض وما إلى ذلك.؟؟؟
وما معنى أن نسمع جعجعة على لسان هذه الحكومة تعد بخلق مشاريع تعيد تأهيل المدن والقرى عبر رصفها وترميمها بشكل يتنافى مع العشوائية ثم لا نرى إلا طحينا يخلط بوحل المياه الآسنة ليجعل من تلك المدن والقرى مجرد مستنقعات تطفو على سطحها حيوانات نافقة وآثار منازل سابقة ؟؟؟
معنى ذلك أننا بحاجة إلى الرجل المناسب في المكان المناسب ، ومعنى ذلك أن الوعود الخاوية لا يمكن لها أن تحقق إلا واقعا مأزوما ، ومعنى ذلك أن الحكومة الفارغة المضمون والمحتوى لا تشيد إلا مشاريع تشبهها ، ولا تنجب إلا مجالس بلدية تطابقها في الخلق والخلق وتنافسها في نهب ما تبقى من خيرات البلد ، ولا تخلق إلا معارضة يسهل إسكاتها بطريقة أو بأخرى ، ومعنى ذلك أننا بحاجة إلى تغيير جذري في السياسات والقوانين الجاري بها العمل حتى تتم صياغتها من جديد بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن أولا وأخير ، أما دون ذلك فلن يساهم إلا في صنع كوارث حقيقية بدأت ملامحها تلوح في الأفق فمنها ما ستنحته الطبيعة ومنها ما ستصنعه يد البشر .
محمد ملوك 11/02/2009
لو كان المطر رجلا لسجنته السلطات المغربية ولنكلت به مع أول زخة له بتهم تخريب منشآت وممتلكات عمومية ، وتحريض الرأي العام ضدها ، وتشجيع المواطنين على العزوف عن صناديق الانتخابات ، وتكوين جبهة معارضة لسياساتها بدون ترخيص ، والتخطيط لخلق خلايا مستيقظة تكَذِّب كل شعار يراد به تنويم عقول وعيون الناس عن واقع مرير تفنن صانعوه في نسج خيوط مرارته بإحكام تام وعللوا عدم تغيره بأحكام وحجج ما أنزل الله بها من سلطان .
لو كان المطر رجلا لاختطفه أصحاب الحال من مقر سكناه في جنح الظلام ، ولأجبروه على توقيع محاضر غريبة الكم والكيف ، ولجرجروه في المحاكم بعد أن يتعرف على أبجديات التعذيب والإذلال والإرهاب النفسي والجسدي ، ولصوروه لنا في أبشع صورة يمكن تخيلها لرجل ما ليزج بعدها في غياهب سجون تفتقر لأبسط مقومات حقوق الإنسان .
لو كان المطر رجلا لقضى نحبه من زمان بعيد دون أن يسمع له صوت أو يرى له أثر ، لكنه ولحسن حظه كتب عليه أن يكون مجرد قطرات تحيي البلدان الميتة والأراضي الجافة بما تحمله في مكوناتها من نعم تتحول في حال هطولها على بلدان تشبه المغرب الحبيب إلى نقم تربك حسابات السلطات المخادعة وتدفع بالمواطن المغلوب على أمره إلى التوجه نحو رب الأرباب ليسأله النجاة من غيثه المنهمر وليلعن بين يديه كل مسؤول قصر في مسؤوليته وساهم بشكل أو بآخر في تحويل هذه النعمة إلى نقمة يخافها الكبير قبل الصغير .
نعم المطر تحول إلى معارض كبير في بلد الأغلبية الواهنة والمعارضة المهادنة والتكتلات المساكنة ، فكشف زور وبهتان الشعارات التي يرفعها مسؤولونا مع كل حملة انتخابية ، وبين مرة أخرى أن آخر ما يشغل بال الحكومة الموقرة والوزراء الأجلاء والقائمون على تسيير أمور الحياة بهذا الوطن هو المواطن ، وأكد بالدليل والبرهان أن العشوائية والتخبط والفساد والارتجال هي العناوين اللائقة واللصيقة بسياسة حكومة تسير بنا وبالبلد في طريق غير واضحة الملامح .
مدن وقرى أصبحت بين ليلة وضحاها مناطق معزولة ومنكوبة ، وعشرات القتلى والغرقى ، وآلاف المشردين ، ومفقودون يجري البحث عنهم ، ومنازل تهوي على رؤوس ساكنيها ، وشوارع وطرق تغمر أطرافها المياه ، وجسور وقناطر تتصدع في دقائق معدودات ، وفيضانات من كل جانب تهدد أرواح المواطنين ، وثلوج تحاصر من ينتمي إلى مغرب الهامش ، هذه هي الصورة المصغرة لحصيلة الأيام الممطرة الأخيرة ، ولو قدر علينا أن نستقبل المزيد من الأمطار في الأيام المقبلة فسنمسي لا محالة في خبر كان ، والسبب لا يعود بالدرجة الأولى لكثافة هذه الأمطار وغزارتها ، ولا إلى خروجها عن نطاق المألوف والمعتاد ، ولا يرجع إلى غضب السماء علينا أو إلى تحول أراضينا من أراض آمنة مطمئنة إلى أراض مهددة بالكوارث الطبيعية ومحفوفة بالتقلبات المناخية المكروهة ، ولكن السبب الرئيسي خلف ما نراه ونسمعه من كوارث مؤلمة وخسائر فادحة بعد انقشاع كل سحابة ممطرة يعود بالدرجة الأولى إلى غياب إستراتيجية مسؤولة فعالة وناجعة تتعامل بحكمة مع مثل هكذا حدث ، وإلى سوء بين في تدبير مرافق الحياة العامة ، وإلى خلل واضح في كل المشاريع الخدماتية مما يطرح علامات استفهام عريضة حول مصير الملايين التي دخلت على مدى السنوات الأخيرة إلى خانة المليارات وأنفقت على مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول ، وحول من يتحمل المسؤولية الكاملة للخسائر المطرية المتعددة .
إن الكارثة الحقيقية التي تهدد أمن واستقرار المغرب لا تتجلى في السيول والأمطار التي تعصف من حين لآخر بالمشاريع الوهمية الرسمية وتعري عورة البنية التحتية ـ إن وجدت ـ وتخلق الرعب والخوف في نفوس المواطنين والمواطنات ، ولا تتمثل في غرق مدينة أو إتلاف قرية أو ضياع منطقة أو تشريد مجموعة من الناس بفعل ارتفاع منسوب مياه سد أو فيضان نهر أو سيلان وادي معين ، ولا ترتبط بموسم شتاء ماطر ولا بفصل صيف حار ، بل هي أوسع من ذلك وأغلظ شأنا وأعظم من أن يُتحدث عنها في بضعة أسطر أو تتناول في فقرة من الفقرات .
الكارثة الحقيقية التي تتهددنا جميعا تتمثل في وجود مسؤولين لا يقدرون معنى المسؤولية ولا يكلفون أنفسهم عناء الاهتمام بمصلحة الوطن والمواطن ولا ينظرون لهذا الأخير إلا نظرة دونية ترى فيه مجرد ورقة تستدعى ليلعب بها أيام الحملات الانتخابية لترمى بعدها في سلة المهملات بعد أن تحَمَّل مسؤولية فشل كل مشروع وخيبة كل أمل ونتائج كل المصائب والنكبات .
فما معنى أن يتلقى المواطن رسائل رسمية عبر هاتفه المحمول تدعوه للمشاركة الإيجابية في الانتخابات البلدية المقبلة وتتوعده بكلمات مشفرة إن قرر العزوف عنها ولا يجد ولو إشارة يتيمة على هاتفه تحذره من التقلبات الجوية التي قد تضر بممتلكاته الشخصية ومصالحه الذاتية ؟؟؟
وما معنى أن تلدغ الحكومة بمساوئ المطر مرتين في ظرف زمني وجيز دون أن تستفيد من الكوارث السابقة ودونما أي استعداد يذكر لما قد يلحق بنا في المستقبل جراء التحولات المناخية التي يعرفها البلد ، وهل بمقدورها تحمل الانعكاسات الخطيرة للأمطار بدءا من تعطل الحياة وتهدم المنازل والتشرد والموت وانتشار الأمراض وما إلى ذلك.؟؟؟
وما معنى أن نسمع جعجعة على لسان هذه الحكومة تعد بخلق مشاريع تعيد تأهيل المدن والقرى عبر رصفها وترميمها بشكل يتنافى مع العشوائية ثم لا نرى إلا طحينا يخلط بوحل المياه الآسنة ليجعل من تلك المدن والقرى مجرد مستنقعات تطفو على سطحها حيوانات نافقة وآثار منازل سابقة ؟؟؟
معنى ذلك أننا بحاجة إلى الرجل المناسب في المكان المناسب ، ومعنى ذلك أن الوعود الخاوية لا يمكن لها أن تحقق إلا واقعا مأزوما ، ومعنى ذلك أن الحكومة الفارغة المضمون والمحتوى لا تشيد إلا مشاريع تشبهها ، ولا تنجب إلا مجالس بلدية تطابقها في الخلق والخلق وتنافسها في نهب ما تبقى من خيرات البلد ، ولا تخلق إلا معارضة يسهل إسكاتها بطريقة أو بأخرى ، ومعنى ذلك أننا بحاجة إلى تغيير جذري في السياسات والقوانين الجاري بها العمل حتى تتم صياغتها من جديد بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن أولا وأخير ، أما دون ذلك فلن يساهم إلا في صنع كوارث حقيقية بدأت ملامحها تلوح في الأفق فمنها ما ستنحته الطبيعة ومنها ما ستصنعه يد البشر .
No comments:
Post a Comment