اذا كانت قضية الصحراء الغربية عصية على الحل، فأن تدوين تاريخ المنطقة كان من اصعب الاشياء العصية على المؤرخون والباحثيين، لأن ثقافة التدوين لم تكن بشكل كبير عند اهل المنطقة وهذا ما يجعل كل شخص يكتب التاريخ بالكيفية التي يريد وينسب لشخصه او بني عمومته او تنظيمه سياسي بطولات ما انزل بها من سلطان هذه المرة نغوص في التاريخ السياسي للمنطقة من خلال مذكرات الرئيس الراحل الموريتاني السابق المختار ولد داداه رحمة الله عليه, يقول ابن خلدون في تعريف لتاريخ " هو خبر عن الاجتماع الانساني الذي هو عمران العالم(حياة الانسان) ومايعرض لطبيعة ذالك العمران من الأحوال , مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التقلبات البشرية بعضهم على بعض "
فهذا التعريف هو ما عايشه صحراويين من خلال " التقلبات البشرية بعضهم على بعض "في سنة 1975 عندما اقتسمت المملكة المغربية والجمهورية الاسلامية الموريتانية اقليم الصحراء الغربية
هذه المحطة التاريخية التي غيرت حياة الانسان الصحراوي من سيئ الى أسوئ , عندما قسموا الصحراء الغربية لم تجعل التاريخ عند الصحراويين من اجل التوحش او استئناس من خلال جلسات الشاي وانما جعلت حياة تقسو عليهم من خلال تقسيم اقليم الساقية الحمراء وواد الذهب ، وما عايشوه بعد تقسيم من مأساة والحروب والتفرقة بين كل عائلة صحراوية وسبب هو " التقلبات البشرية بعضهم على بعض "
والهدف من كتابته هذا الموضوع واعادة نشره هو تعميم الفائدة والاطلاع التام على التاريخ السياسي للمنطقة ، بعدما جادو سياسي المنطقة بكرمهم في رويات واساطير بخطبهم السياسية ولم يكتبو اي شئ عن التاريخهم وسبب اجهله او نتجاهله واتمنى ان يكتبو اي شئ من اجل التاريخ ان يبقى حي للأجيال القادمه اذا كنتم تحبين الكتاب او تخافون تجريح او الكذب في كتاباتكم أنتم مارستموه يبقى انت تكتبوه
اعود بكم الى كواليس تقسيم الصحراء الغربية ونترك الحديث لرئيس الموريتاني المختار ولد دداه , ومصدر كلام هو كتاب" موريتانيا على درب التحديات" ص 470 من تأليف رئيس موريتاني المختار ولد دداه وكتاب " موريتانيا المعاصرة شهادات ووثائق " من تأليف سيد أعمر ولد شيخنا ص 205 /206
بعد جولات الحوار المتعددة تمكن الرئيس المختار والملك الحسن الثاني في دسمبر 1974 من التوصل لاتفاق نهائي لتقاسم الصحراء الغربية بينهما يقول الرئيس المختار في مذكراته
وفي ديسمبر 1974 م التقينا مجددا بفاس كما كان مقررا . وانتهج الملك في بداية المفاوضات – كما هي عادته – موقفا زاوج بين التنازل والصرامة المتمثلة في التهديد اللبق والمرونة الكبيرة لتجريدي من السلاح بعبارات معسولة دوما بل لا تخلو أحيانا من اطراء مذكرا اياي بلباقة أنه هو الذي يقدم التنازلات باستمرار وأنني لم أقدم أي تنازل. وللوقوف في وجه المناورات المقوم بها بذكاء , عملت على التخلص منها بأجوبة ظرفية أو بالصمت المعبر بل والمحرج أحيانا.
ولم تفض جلستا عمل وجها لوجه الى أية نتيجة . وفي نهاية الجلسة الثانية ؛ اضطررت لأن أغضب بصفة " مهذبة" وأن أذكره ،مجددا، وأن مواقفي في هذه القضية مواقف مبدئية غير قابلة لتغيرات كبيرة. وقد رد على ذلك قائلا "... ان الاشكال الوحيد بالنسبة لي هو مآل الداخلة. فالداخلة هي الميناء الطبيعي الوحيد في هذا الاقليم ، ولا بديل عنه من المنظور الاستراتيجي. ولا بد لنظام دفاع المملكة العام من عودة الداخلة للمغرب . ولهذا السبب أعتبر أن الداخلة أكثر اهمية من باقي الصحراء كلها . فهناك بالطبع الكثير من الفوسفاط في اقليم الساقية الحمراء .غير أن الفوسفاط يجب أن يكون بالامكان الدفاع عنه وربما تصديره يوما ما عن طريق الداخلة لأن النظام الذي شيده الاسبان في العيون غير قابل للبقاء ، فهو عبارة عن مرفا .ولذا أقترح عليكم خط حدود عموديا وليس أفقيا يمنحكم أرضا أوسع ، أي الجزء الأكبر من واد الذهب ..."
لقد قلت بصراحة انني لست موافقا " ... فينبغي أن نعرف ما اذا كنا نريد أن نطبق بأمانة اتفاقية 1972 أم لا . فاذا كان الجواب بالايجاب ، فان الاقتراحات التي تقدمت بها جلالتكم غير مقبولة اطلاقا . و اذا كان الأمر بخلاف ذلك ، فلنقل صراحة أننا نطعن في تلك الاتفاقيات . واذا كنا نتمسك بتلك الاتفاقيات ، أجدد اقتراحي بترك اقليم وادى الذهب لمورتانيا الذي تتطابق حدوده مع خط العرض 26 . وأضيف بأن الجمهورية الاسلامية الموريتانية لن تقبل بحال من الأحوال أي حل يترك الداخلة ، عاصمة اقليم وادى الذهب ، خارج أرض موريتانيا . واذا كان الأمر بخلاف ذلك ، فلنوقع محضرا بعجزنا هذه المرة عن الوصول الى حل وسنوصل مفوضاتنا آملين أن يلهمنا الله سواء السبيل ..."
وكان على مضيفي أن يستقبل زائرا ، فعلقنا مناقشاتنا على أن نستأنفها فيما بعد .
وعندما استئناف النقاشات ، صرح لي الملك بادئ بدء . وقد ظهر عليه الارتياح والبشاشة ، قائلا " أتنازل استجابة لمطالبكم كما يحدث دائما . فأنا موافق لأن تعود الداخلة الى مورتانيا .غير أن الحدود التي تقترحون غير مقبولة بالنسبة للمغرب الذي تنازل عن النقطة الرئيسة المتعلقة بالداخلة . فوادى الذهب أكبر مرتين من اقليم الساقية الحمراء وناقشنا مطولا ، والخريطة بين يدينا ، قبل أن نتفق على الحدود بين شطري الصحراء المتطابقة مع خط العرض 24 المار مباشرة الى الشمال من الداخلة . وهكذا " صعد " محاوري درجتين ( من خط العرض 22 الى الخط 24 ) و " نزلت " درجتين كذلك ( من خط العرض 26 الى الخط 24 ).
وعندها استدعينا معاونينا لنعلن لهم اتفاقنا ، وهو الاتفاق الذي سيتم وضع اللمسات الأخيرة عليه بتوقيعنا على خريطتي أركان عسكرية رسمت عليها الحدود وكتب عليها باللغة العربية " من هنا ستمر بحول الله الحدود التي ستفصل بين المملكة المغربية والجمهورية الاسلامية الموريتانية " .
وفي الغد ، طلب مني مضيفي مقابلة على انفراد قبل توقيع الخريطتين ، واقترح علي تعديلا طفيفا في خط الحدود التفق عليه بالأمس مبتغاه أن تترك المغرب بلدة بئر انزران وهضبة ميجك الجبلية الواقعة أصلا في جزء العائد للجمهورية الاسلامية الموريتانية .وعلل طرحه برغبته في اعطاء مكافأة صغيرة لجيشه شديد التعلق بالداخلة ، لا سيما وأن منطقة بئر انزران وميجك ذات أهمية استراتيجية مؤكدة بوصفها معبرا هاما بين جزأي الصحراء .
وأضاف يقول مبتسما " ثم ان استجابتكم لطلبي تسمح لي أن أوكد ، بدوري ، لرعاياي أن بوسعي أن أحصل على تنازلات من شريكي الصعب ..."
وقد قبلت الاستجابة لطلب مضيفي تفاديا لمزيد من شد الحبال لا سيما وأن الجمهورية الاسلامية الموريتانية قد حصلت موضوعيا على أقصى ما كانت تؤمل بالنظر الى وزنها الخاص مقارنة بوزن المغرب .... وفي ديسمبر 1974 م ، وقعت مع الملك الحسن الثاني اتفاقية تقسيم الصحراء ، وهو الاتفاق الذي ارتأينا أن يظل سريا حتى نهاية مسار تصفية الاستعمار من تلك الأراضي.
*قراءة من مذكرات الرئيس الموريتاني السابق المختار ولد دداه كتاب " مورتانيا على درب التحديات" ص 470
No comments:
Post a Comment