Wednesday, September 03, 2014

فقط في مدينة العيون

فقط في مدينة العيون


         
صحراء نيوز - بقلم : نجاة حمص02/09/2014 فقط في مدينة العيون..يحتفظ بالميت في غرفة العناية المركزة,يعلق له السيروم الطبي,في محاولة لحلب اكبر مبلغ من جيب عائلة المتوفى,فكل ليلة بثمن وكلما زاد عدد الليالي كلما زاد المبلغ..

 فقط في مدينة العيون..تبدو مداخل المستشفيين اليتيمين, تماما كالمعبر الحدودي "جوج بغال",حراسة مكثفة فلا احد يسمح له بالدخول إلا بعد أداء الواجب والذي منو,صرامة في مواقيت الزيارات,طبعا ذلك بالنسبة لأصحاب المجان أما من يعرف كيف  "يدهن"  فمن المؤكد انه يمكنه الدخول والخروج وقتما شاء, كأنما المستشفى ملك أبوه..

 فقط في مدينة العيون..يوجد ملاعب موصدة تفتح بكلمة سر لا يعرفها إلا "فلان" و"فلان",أما أبناء الشعب فيتسكعون حاملين كراتهم بحثا عن مكان يصلح للعب,يرسمون على الطرقات تصاميم وهمية,مرور السيارات يقطع عليهم متعتهم,كلما لاحت سيارة أسرعوا لإزالة أكوام الحجارة التي تشكل مرمى الحارس,يتمنون من أعماق قلوبهم ألا يمر موكب عرس بيضاني فيطول انتظارهم..

 فقط في مدينة العيون,تجرى العملية للفقير المعدم,بعد أن يكون قد رأى قفاه من اجل توفير ثمن العملية,ثم يتم طرده قبل التأكد من حالته الصحية, فالأسرة تجارة مربحة, يتلاعب و يتاجر فيها ,لذلك لا عجب أن ترى على أبواب المستشفى,من يفترش الأرض وعيناه  تفيض من الدمع,بعدما رمي على قارعة الطريق,يبكي وطن  "الحكرة" والظلم والمهانة,لعله يجد من يشفق لحاله ويلتفت لألمه الذي ينخر جسده,لكن يبدو أن قلوب ملائكة الرحمة وما جاروها  أقسى من الحجر الصوان..

 فقط في مدينة العيون,تجتاح قسم الولادة موجة من الوفيات في صفوف الأمهات,بسبب الإهمال وعدم الاكثرات بالأرواح البشرية,ثم تهدا الأجواء ويعود القتلة لاستئناف مهامهم الطبية والبقاء لله..

 فقط في مدينة العيون,ترمى جبال من الأدوية والمستلزمات الطبية بعدما انتهى تاريخ صلاحيتها,وكان الأجدر أن يستفيد منها المواطنون,بدل أن ترمى هكذا بغير اكتراث,أدوية كانت ستنقذ العشرات وتحل حبل المشنقة من على أعناق عدد من العائلات الفقيرة,لكن يبدو "أنهم"  يعملون بشعار شمشون المغربي :  " نلوحو فالزبل ولا يستافد منو شي واحد"..

 فقط في مدينة العيون..توصد الحدائق العمومية في وجه العموم,فلا تفتح إلا في المناسبات حينما تكثر الروبورطاجات,لذلك لا عجب انه حينما تفتح تلك الحدائق والساحات لا تجد فيها موطئ قدم,فكل الدراويش قد عقدوا الرحال صوب تلك المساحات الخضراء مخضرين عيونهم بتلك الشجيرات الهزيلة والورود الذابلة,أما أصحاب الفيلات, ناس المجالس والمكاتب الوطنية,عائلات شيوخ القبائل و"ريحة الشحمة " في شاقورهم,فأكيد أنهم متخمين من الخضرة والمياه والوجه الحسن..

 في العيون فقط..تتنقل قطعان القطط السمينة في مستشفى بن المهدي,وبخاصة في أقسام الولادة بلا حسيب او رقيب,لذلك لا عجب ان من تدخل هناك تحاول جعل عين في مؤخر رأسها,حرصا على سلامتها وسلامة رضيعها الحديث الولادة,فرائحة الدماء تجذبهم...

 أقسام الولادة تلك,أو زنازين الولادة الباردة  بتعبير أدق, حيث تتعرض المرأة الحامل لأصناف التعذيب النفسي والجسدي,كلمات نابية,صفعات وضربات,كل ذلك على يد ملائكة الرحمة" شياطين القسوة "..

 في العيون فقط..يطارد الباعة والمسترزقين,تسرق سلعهم ومعداتهم,لا يسمع لتوسلاتهم ولا ينظر  لدموعهم,يتاجر بمعاناتهم,يسخر من جهلهم وسذاجتهم,يقايضونهم مقابل ترك أماكنهم ببقع تجارية مجانية,وحالما يبنون تلك البقع ويقيمون صلبها,حالما يتنهدون في ارتياح,يستقبلون البلاغ : " إما الدفع أو الإخلاء".." ايوا طلع تاكل الكرموص"

 فقط في مدينة العيون..يتزاحم أصحاب "الكاط كاط" مع أصحاب الزون أو الكرطية,يصطف المواطنون "الدراوش" في صفوف طويلة,ينظر بعضهم إلى بعض متسائلين عن سيئي الحظ الذين سيحرمون من حقهم هذه المرة,و ماهي إلا لحظات حتى يغلق المحل " اوبس..الزون / الكريطية جاو هاد المرة ناگصين"..

 فقط في مدينة العيون..تستدعى لإجراء مقابلة من اجل العمل,فيستقبلك صاحب العمل بأسئلة غريبة:" من أي قبيلة؟" " شكون راسلك؟"..

 فقط في مدينة العيون..الوكالة الموكول لها بمهمة إنعاش العمل والكفاءات, تحتفظ بالوظائف الجيدة للمعارف و الأصدقاء الذين يستفيدون من عقود عمل تكفل لهم حقوقهم وكرامة فوق كرامتهم ,بينما اللي ما فيه نفع,يدفع إلى " أولاد الشعب"..  

فقط في مدينة العيون..تصبح أجرة 2000 درهم حلما يراود حاملي الشواهد العليا والدبلومات التقنية,في ظل شبه انعدام لمصادر العمل  وتفاقم ظاهرة "الفرزيات",المحسوبية والزبونية أو ما يصطلح عليه ب.."خوك أنا".

 فقط في مدينة العيون..المواطنون يؤدون ثمن الماء الصالح للشرب,ويلجئون لل"كوبات"- الشاحنات التي تحمل صهاريج الماء- طلبا لمياه خالية من معقمات أنابيب المكتب الوطني للماء الصالح للشرب,ورغم قلة جودته فهو يغيب باليوم واليومين حتى يشرف صنابيرنا ..وهكذا " رضينا بالهم والهم ما رضا بينا" ..

فقط في مدينة العيون..يصادف مرورك خروج رئيس المجلس البلدي,فينظر إليك شزرا وهو يصرخ  في عصبية محاولا إعمال فكره لاستباقي الذكي :" ياك إلا الكرطية؟ ماااهي خالگة..ماااهي خالگة,سمعتني ولا بداي..",تحدجه بنظرة متشككة ثم تلمس الجدار في حركات متتابعة:" يا الصدگة!!!  هذا مًّالُو الخير؟"

No comments: