Monday, June 21, 2010

الصحراء الغربية
قصة وطن يغتال وشعب يشرد

2010.06.20
صالح عوض عبد العال الحرية لا تتجزأ والعدل لا يتجزأ.. هذا مبدأ إنساني قويم، يناضل تحت رايته كل حر شريف لا تأسره الحاجة، ولا يضله الهوى فيصبح يكيل بمكيالين وتختلط لديه المعايير.. ان القضية هنا هي قضية ناس لنا بهم علاقة الدم والدين والتاريخ وإن الحياد في قضيتهم هو أقرب للخيانة.
الصحراء الغربية او الساقية الحمراء ووادي الدهب في أقصى مغربنا العربي قصة لا تكاد تخرج من حدود صحرائها ولاتصل الينا الا عن طرق معوجة ملفعة بتداعيات واهية متلبسة بحق يراد به باطل.. وفي حمى الدعايات والتهويش الاعلامي يغتال وطن ويشرد شعب.. فما هو الحق والباطل في قصة الصحراء الغربية؟
للقضية التي يجهلها معظم مثقفي المشرق العربي ولا ينتبه لخطورتها معظم مثقفي وأحرار المغرب العربي.. لهذه القضية أبعاد عدة لا بد ان تتجلى ليتكشف وجه الحقيقة فيها.. انها قضية شعب عربي ناضل باستماتة من اجل هويته الحضارية ضد كل أشكال الاستعمار.. وكما كل أقاليم العروبة والاسلام أبلى سكان الصحراء الغربية ضد موجات الاستعمار المتلاحقة بلاء عظيما حتى حققوا النصر المؤزر وطردوا الاستعمار الأجنبي.

والصحراء الغربية مليئة بالحياة بقبائل عربية وامازيغية ضاربة في التاريخ، تتقن التجارة والحكم والقضاء وتجيد فن العلوم والأدب والتصوف.. وفي الصحراء الغربية شخصية مزجتها السنين في قالب معين بعادات وتقاليد معينة ونسيج اجتماعي معين جعل من هذا الإقليم وحدة جغرافية تشترك مع اقاليم العرب في الهم والتاريخ والحضارة والدين وتتميز كما يتميز كل اقليم بخصائصه.

لم تتوقف المحاولات لاغتيال الوطن الصحراوي وإذابة خصوصياته وإحالته على نموذج من السياسة والمجتمع متميز عنه، واستدعى ذلك تشريد شعبه وقمع تطلعاته نحو تقرير مصيره بقوة السلاح وذلك تحت دعاوى وحدة التراب المغربي والتصدي للانفصال..

حتى يكون واضحا منذ البداية لابد من التأكيد على ان وحدة كلمة الأمة دين وان كل من يحاول تفريقها لايخدم الا مصلحة الأعداء.. ولكن هذا القول لا يعني بشكل من الأشكال ذوبان مجتمعاتنا الواحد في الآخر، لأن ذلك مضر بالوحدة ومضر بمستقبل الأمة وهو مربك لتنميتها، وهو حتما لن يحدث على أرض الواقع ..ان وحدة أقاليم الأمة يعني الوحدة من خلال التنوع والتعدد وليس الوحدة القمعية والقهرية التسلطية.. والآن لا توجد وحدة جامعة للأمة ولا يملك أحد الادعاء بامتلاكه مرجعيتها ولا يوجد سوى اطماع شخصية ونزوات في الزعامة والتسيد على حساب عذابات الناس وجوعهم وارتهان مستقبلهم للأجنبي.. ان الوحدة بين أقاليم العرب تقوم من اجل اهداف مقدسة أولها رد الظلم الغربي الاقتصادي والسياسي والعسكري الواقع على أمتنا ولابد من العمل الجاد من اجل ذلك وهذا يأتي من خلال قناعات الناس وايمانهم وتكريسا لمصالحهم وتوثيقا لعلاقات سوية بين أقاليمهم.. اما ان تصبح الدعوة للضم غطاء للقتل والتشريد والقهر والظلم ومن الخلف ارتباطات دولية مشينة وتفريط بحقوق الأمة ومستقبلها فإن هذا سلوك غير انساني غير مقبول لابد من مقاومته.

وحتى يتكشف لنا حجم الظلم الواقع على أهلنا في الصحراء الغربية لابد من معرفة حقيقة وضعهم التاريخي والقانوني والثقافي، وهل هم حقا جزء ينفصل عن المملكة المغربية، أم انهم اقليم آخر تماما كما هو اقليم المملكة المغربية نفسه.. لأن ذلك هو المطلوب للحسم في موقفنا من القضية.

وقبل الغوص في القضية نبدي استنكارا واستهجانا للموقف العربي والدولي الذي يقف أخرسا وهو يرى مخيمات المشردين من أهل الصحراء الغربية يلقى بهم على حدود وطنهم، ويسمع عن قمع الأحرار في داخل الصحراء سجنا وقهرا.. ان هذا الخرس العربي والدولي لا يفسره الا جهل من بعض العرب او تواطؤ منهم، اما الغربيين فهم من صنع المأساة ليعاقبوا الثورة الصحراوية التي اخرجتهم من الوطن الصحراوي بقوة السلاح وحرمتهم بذلك من موقع استراتيجي أرادوا ان يشرفوا من خلاله على المنطقة كلها.. وهنا نتساءل عن شواهد عديدة لم يكن للموقف العربي والدولي الا التدخل المسلح والسياسي المباشر كما حصل ضد العراق الذي ضم الكويت بحجة انها جزء من العراق.. والموقف العالمي ضد سوريا وتدخل جيشها في لبنان، حيث يعتبر لبنان الى أمد قريب هو وفلسطين جزء من سوريا الكبرى.. وفي جنوب السودان العالم كله يقف ضد حكومة السودان لتمنح الجنوبيين حق تقرير مصيرهم.. فلماذا لم يمنح الصحراويون حق تقرير مصيرهم؟

البعد التاريخي:
في مطلع القرن الثامن الميلادي وصلت هجرات عربية من شبه الجزيرة العربية إلى أرض الصحراء الغربية التي كانت تقطنها قبائل عربية وأمازيغية من قبل، وكما تشير الأبحاث الجيولوجية والتاريخية ان ارض الصحراء الغربية لم ينقطع فيها التواصل الانساني.. لقد وصلت القبائل العربية في موجتها الثانية بعد الفتوحات الاسلامية حاملة معها رسالة الإسلام لتنظم حياة الناس وتأخذ بيدهم نحو العلم والرقي. وقد قوبل الدين الجديد بقبول عظيم من القبائل المحلية وانتشر بينها سريعا.

رسخ المسلمون في بلاد الصحراء أساس نظام اجتماعي متطور وأنعشوا الحياة الاقتصادية هناك، وخاصة تجارة الذهب من مالي، وتوالت الهجرات العربية إلى الصحراء الغربية خلال الفترة ما بين القرن الثامن والخامس عشر ميلادي. فوصلت إليها قبائل من بني حسان وبني هلال عن طريق مصر وتغلغلت بواسطة سيطرتها في منطقة الساقية الحمراء ووادي الدهب ومجمل أراضي موريتانيا. وبفضل شدتها تزايد نفوذها واستجابة السكان للدخول في الإسلام، طبعت المنطقة بطابعها العربي الإسلامي المميز، وهي كذلك حتى اليوم.

ومن خلال الإطلاع على تاريخ المنطقة السياسي ابان سلاطين المغرب المتتاليين يتضح بجلاء ان هذا الإقليم انما هو كأي اقليم من بلاد العرب متميز لا رابط خاص بينه والمغرب.. ولم يكن هناك أي مرحلة تم فيها توحد الإقليمين في تبعية لإقليم المغرب ابدا.. وان كل الوثائق تؤكد ان هذا الإقليم هو متكامل الشخصية.

كفاح أهل الصحراء الغربية ضد الاستعمار:
منذ بدات الأطماع الاستعمارية الغربية في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وقف الصحروايون مقاومين ومتصدين للأطماع الأجنبية وخاضوا معاركهم جميعها لوحدهم، بل لعل بعض دول الجوار حاولت ارباكهم وتفتيت قوتهم.. ومن سنة 1909 الى سنة 1975 لم تتوقف مقاومة الصحراويين ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي..

وبعد منتصف القرن المنصرم أخذ الصحراويون في تنظيم صفوفهم وتشكيل جماعات سياسية للمطالبة بخروج المستعمر والثورة عليه.. فمن مجلس الأربعين الذي تكون من اكثر من 40 شخصية قيادية تمثل شيوخ القبائل في الصحراء الى المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء وكذلك حزب السلام وحزب الاتحاد الوطني الصحراوي وغير هذه الأطر التي سعى الصحراويون من خلالها الى التخلص من الاستعمار الاجنبي.. وفي النهاية توافق الصحراويون على تشكيل جبهة تضم كل مشاربهم تحت اسم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الدهب بعد المذابح الإسبانية بحق الصحراويين في سنة 1970.

ولقد تم الإعلان عن قيام الجبهة في موريتانيا.. وخاضت معارك شرسة ضد الوجود الاستعماري على طول الجبهة، خاصة بعد ان تلقت دعما واسنادا من الجزائر..

ارتفع صوت الصحراء قويا بعد المقاومة الباسلة التي أبداها الصحراويون.. وطالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة اسبانيا بالإنسحاب من الصحراء، حيث كان المفترض ان يستفتي الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

هنا كانت مطامع الملك المغربي وضمن وظيفته الاستراتيجية في المنطقة تظهر للسيطرة على الصحراء في قسمة مع موريتانيا التي انسحبت من الأراضي التي استولت عليها بعد الانسحاب الإسباني وبقيت المملكة المغربية على إصرارها، مدعية ان الصحراء الغربية اقليم مغربي..

لا التاريخ ولا طبيعة التكوين الاجتماعي والنفسي للإقليمين متشابه، بل ان هناك تمايزا واضحا، فضلا عن قيام الصحراويين بثوراتهم ضد المستعمر وهم معزولين عن أي إسناد اقليمي..

ان هناك أطماعا تتعلق بطبيعة النظام وعلاقاته الدولية.. وهي اطماع تدوس تحت رغباتها طموح شعب في تقرير مصيره..و تشرد أحراره.. فليس فقط التوسع الجغرافي انما ايضا تعميم التبعية للأجنبي أمنيا ضمن سياقات استراتيجية تستهدف المنطقة والمحيط الإفريقي العربي..

هنا نسأل لو كان أهل الصحراء غير عرب وغير مسلمين، هل كان يستطيع المغرب ان يمرر على البعض مقولته عن الصحراء.. ثم لو كانت جبهة البوليساريو قد رهنت البلاد لقوى الاستكبار العالمي هل كان أحد يجرؤ على احتلالها او ضمها؟

ان المسألة تحتاج الى وقفة حرة لاتخاذ الموقف الأكثر صوابا.. ولأن هناك شعبا مكافحا من اجل حريته وتقرير مصيره ويدفع دما ومعاناة يومية لا يملك أي حر في العالم الا الاعلان عن انحيازه للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الدهب الممثل الشرعي والوحيد لشعب الصحراءالغربية..

ولعل المملكة المغربية تنشغل بما هو اهم.. لعلها تنصرف للمطالبة بسبتة ومليلة المدينتين المغربيتين المحتلتين من قبل الإسبان.. لعلها تدرك ان التاريخ ليس لصالح الاستعباد وقهر الشعوب.. ولعلها تفهم انه لابد ان يستجيب القدر لصوت الشعوب.

وكما لم يكن للثورة الجزائرية الا الوقوف مع كل حركات التحرر في العالم بمبدئية واضحة ثابتة فإن الجزائر تتحمل أمانة ومسؤولية تاريخية في الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.. وان إسناد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الدهب يقف من حيث الجوهر كإسناد أي حركة تحرر في العالم.. ويأخذ خصوصية بالغة هنا، لأنه يدور في اطار الإقليم.

ان شعبنا وأهلنا في الساقية الحمراء ووادي الدهب عانوا كثيرا وأن جرحهم الصامت حان له ان يندمل.. وان غد الحرية قريب يقرر فيه الشعب مصيره

No comments: