يوميات انتفاضة الزملة التاريخية
كما يرويها شاهد عيان
كما يرويها شاهد عيان
مثلت انتفاضة الزملة علامة بارزة في التاريخ المعاصر للشعب الصحراوي بل لعلها هي البداية الحقيقة للثورة الصحراوية التي كانت نتيجة من نتائج هذه الانتفاضة الباسلة ورغبة منا في حفظ تاريخنا الوطني ننقل هنا شهادة سيد ابراهيم سلامة اجدود احد أعضاء الحركة الطليعية لتحرير الصحراء و مسؤول فرعها ببلدة حوزة كما أوردتها مجلة عشرين ماي في عددها 129، مكتفين بيوميات الحدث التاريخي- كما شاهده- وعايشه:
يوم 4 يونيو: انكشاف السر:
على الساعة 8:30 جاءني حاكم مدينة حوزةGalmi Cote Garrid وامرني بالذهاب معه إلى الإدارة التي كنت اعمل بها مترجماً له، وهناك اخبرني أننا سنذهب في مهمة خاصة إلى اجديرية، انطلقنا في الرحلة، لم يكن معنا احد سوى سائق السيارة الاسباني وفي منتصف الطريق عند " قاعة مزوار" أمر السائق بالتوقف ثم أخذ معه ظرفاً من الحجم الكبير، ابتعد بي عن السيارة بمسافة لا يمكن للسائق التقاط الصوت منها وخاطبني قائلاً " أنت صديقي وثقتي فيك كبيرة، سواء تعلق الأمر بالقضايا الشخصية أو بالقضايا العامة للبلد الذي نعمل معاً في إطاره ونسهر على حماية مصالحه وأنت تعلم أني كنت مدعواً إلى مدينة العيون من طرف الحاكم العام Fernando Perez Delema للقيام بمهمة سرية وقد عرفت منه أنه قد حصل على معلومات خطيرة عن طريق احد الشيوخ، الذي علم من احد أفراد عائلته أنه قد تم تأطيره في حزب مضاد لمصالح اسبانيا، وقد وجدت أن اسمك مسجل ضمن لوائح المنخرطين فيه". ثم سحب لائحة طويلة من الظرف وبسطها أمامي حتى مكنني من قراءة اسمي الكامل ثم أخفاها من جديد، أجبته " بأنني فعلاً أنتمي إلى منظمة وليس إلى حزب، هي المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء" شكرني على صراحتي وسألني عن ماهية مطالبنا؟ أجبته " أننا نطالب بالمساواة في فرص العمل وفي الأجور مع العمال الاسبان، ونريد أن تدرس اللغة العربية لأبنائنا في المدارس" ، سجل هذه النقاط وعدنا إلى السيارة لمواصلة الرحلة من جديد، وفي اجديرية ذهبت إلى دار أهل محميدي حمادي حيمد، فكتبت رسالة بكل ما دار بيني و بين الضابط وبعثتها مع سائق شاحنة إلى سيدي لبصير بالسمارة وقد وصلت الرسالة بالفعل.
يوم 6 يونيو: بداية الاتصال مع السلطة الاستعمارية:
ذهبت مع الضابط- حاكم مدينة حوزة- إلى مدينة العيون، فالحاكم العام يريد أن يسند لنا مهمة سرية حسب تعبيره، وعند وصولنا ذهبت إلى بصيري وبدة وأطلعتهما على كل شيء وطلبوا مني العودة إلى الضابط في الوقت المحدد، من اجل الاحاطة بمزيد من التفاصيل، كانت المهمة هي البحث في إمكانية التنسيق بينهم وبين قائد المنظمة، وعند معرفة طبيعة المهمة عقد بصيري اجتماعاً عاجلاً لبعض الأعضاء البارزين وعرض عليهم الفكرة ودار النقاش حول تحليل ودراسة كل الاحتمالات المرتقبة ومن أهمها:
1. أن هذا الضابط مخابر ويسعى لكشف أسرار المنظمة.
2. احتمال أن يكون سعيه يرمي إلى تحديد أعمار الشريحة المؤسسة للمنظمة بالضبط.
3. محاولة التعرف على زعماء المنظمة وبالتالي سهولة القضاء عليهم.
4. قد يكون الشخص الذي وشى بنا قدم المعلومات التي تشرح لكل منخرط جديد.
انطلاقا من هذه المعطيات والاحتمالات، تقرر الاتفاق المبدئي على الشروح والأفكار التي سيتسم بها الرد على الأسئلة التي يمكن أن يطرحها الحاكم في حالة قبوله عقد لقاء معنا، كما أكد المجتمعون على ضرورة الاستعداد لمواجهة أسوأ الاحتمالات، بعدها عين الأشخاص الذين سيحضرون التجمع والتأكيد على رفع كل الأيدي للإجابة، حتى لا يميز من هو الزعيم، وإمعانا في التحلي بالحذر واليقظة اتفق على أن يكون الكل ملثماً... فاللقاء المرتقب هو اختبار لقوة المنظمة، وتم الاتفاق أخيراً على أن يحدد الحاكم الوقت، ونحدد نحن المكان. ذهبت إلى الضابط بالنتيجة الأخيرة ورد علي بالقبول واشترط أن احضر لإيصاله بسيارتي إلى مكان الاجتماع في الزمن المحدد.
يوم 7 يونيو: الموعد الأول:
عدت إلى المجموعة في المساء وأخبرتهم بقبول الضابط للدعوة، وتم تحديد "كولومينا ابييخا" مكاناً للقاء على أن يكون ذلك على الساعة الحادبة عشر من يوم 8 يونيو وأن نون مجتمعين قبل وصوله.
يوم 8 يونيو: الباب المسدود:
أتيت بالضابط بسيارتي الخاصة، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر إلا ربعاً، دخلنا الغرفة المحددة، وقف الكل وتقدم الضابط لمصافحة المجموعة واحداً بعد الأخر ثم قدم نفسه كحاكم لبلدة حوزة، ثم قال" جئتكم مبعوثاً من طرف الحاكم العام وكاتبه العام للتحدث إليكم بشأن مطالبكم لأننا نسعى لدراستها، لتقديم الإجابات عنها قدر المستطاع، أي في حدود الإمكانيات والصلاحيات المخولة لحاكم العام، أننا نطلب منكم شرح وتوضيح بعض هذه الأمور الغامضة، وان تطلب الأمر عقد اجتماعات فلا مانع عندنا" ثم طلب منا تقديم أنفسنا بالأسماء وأجيب بالرفض، واكتفى بتسجيل المطالب، ووعدنا بالعودة لنا برد الحاكم الذي جاء سلبياً في ثاني لقاء لنا به، فهو يطلب منا المشاركة في الاحتفال الذي سيقام يوم 22 يونيو 1970 ولابد أن تحضره كل فئات الصحراويين ومن مختلف المناطق لان الصحافة الدولية ستكون حاضرة بهدف إعطاء صورة مشرفة لاسبانيا، بعد ذلك سيحاولون النظر فقط في مطالبنا في حدود إمكانيات وصلاحيات ممثل الحكومة الاسبانية في الصحراء، وقد خلق هذا الرد نوعاً من الاستياء لدى المجموعة، التي أكدت له عدم المشاركة وإقامة احتفالاً خاصاً بها وبمعزل عن مكان احتفالهم المزمع تنظيمه، حينها أجهش الضابط باكياً وقال" إذا كنت مصرين على موقفكم هذا فتأكدوا ان رد السلطات سيكون عنيفاً حسب ما بدأ لي من خلال لقاءات مع الجنرال ومساعديه، واني لأتأسف كثيراً لموقفكم هذا".
وبعد هذا اللقاء أصدرت المنظمة تعليماتها إلى كل الجهات التي توجد بها فروعها وتمثيلياتها تلح فيها على ضرورة فتح باب الانخراط على مصراعيه دون قيد أو شرط.
يوم 12 يونيو : الدعوة عامة لكل المناضلين:
عقد اجتماع طارئ بالعيون ضم تمثيليات عن كل الجهات على المستوى الوطني، وأعلن فيه أن المنظمة ستقيم احتفالاً خاصاً بها مابين خط الرملة و الزملة والدعوة موجهة لكل المناضلين ومحبي المنظمة للمشاركة مع ضرورة مقاطعة احتفالات اسبانيا، أحضرت اللافتات وتم إرسال منسقين إلى كل الجهات يدعون إلى ضرورة استغلال وسائل النقل التي ستوفرها اسبانيا للالتحاق باحتفال المنظمة، وفي ذات اليوم قررت المنظمة كتابة رسائل ذات مضمون موحد إلى الحاكم العام بالعيون والى نظرائه في كل الأماكن الأخرى الخاضعة للنظام الاسباني.
وكلفت مجموعة بنقل وتبليغ تلك الرسائل على متن سياراتها، وتقرر ان يكون تاريخ وصولها يوم 14 يونيو وذلك من اجل إعطاء صورة عن دقة ووحدة طرح المنظمة.
يوم 14 يونيو : التحضير لمسيرة احتجاجية:
عقدت اللجنة المكلفة بتسليم المذكرة الخاصة بالمطالب إلى الحاكم اجتماعا برئاسة بصيري وحدد موعد تسليمها يوم 17 يونيو وكتبت رسالة مفتوحة قصد تسليمها للحاكم العام في نفس اليوم 14 يونيو وتطوعت لإيصالها وبعد قراءتها بالاسبانية والعربية وضعت في ظرف مفتوح وذهبت بها مع البشير اسويليكي بلقاسم الذي أوصلني بسيارته إلى المكان المحدد على الساعة الرابعة إلا ربعاً مساءً، وجدت الجنرال Agurri فقط، فالحاكم العام ونائبه في مهمة في الداخل حسب معلوماتنا، حييته فنحن نعرف بعضنا يشكل جيد، ثم مددت له الرسالة، اندهش وتساءل: ما هذا ؟ قلت له " رسالة مفتوحة من المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء إلى الحاكم العام، ستجدها مكتوبة بالاسبانية والعربية" أخذها وقرأها ثم قال: حسناً ماذا تنتظر، هيا اذهب، فسألته وأين الرد على ما قرأت؟ فأجابني " أن محتوى الرسالة معقد جداً وأنا لست في مستوى الرد عليه، انتظروا حتى يعود الحاكم، ثم صعد إلى مقر الاتصال الهاتفي الذي يربط المبنى مع الأركان وسمعته يتحدث قبل أن اذهب خارجاً.
عدت إلى المجموعة المنظرة وأوجزت لهم الخطوات التي قمت بها، وخلاصة ما قاله اكيري وبناءً عليه تقرر أن تبقى المنظمة في حالة تأهب دائم وتظل مجتمعة في نفس المكان إلى يوم 17 يونيو وفي تلك الأثناء تم تشكيل ثلاثة لجان في إطار التحضير للاحتفال:
1. اللجنة التي ستسلم المذكرة للجنرال Fernando Perez Delema وتتولى الإشراف على المسيرة السلمية التي ستنظم يوم 15 يونيو.
2. لجنة بناء الخيام وتتكلف بشراء كل مستلزمات الاحتفال وتتصل بمن يملكون سيارات سواء كانت ملكية خاصة أو للأجرة للمساعدة في عمليات النقل وإشعار المواطنين بضرورة التهيئة لاستقبال الوافدين من مناطق بعيدة أن دعت الضرورة لذلك.
3. لجنة الاشعارات: يتوزع أعضاؤها على كل مداخل المدينة وكل نقاط العبور لاستقبال السيارات الداخلة إلى المدينة وإشعار أهلها بمكان الاحتفال الذي ستنصب فيه الخيم لهذا الغرض وقد لعب الجنود الصحراويون مع اسبانيا والمنخرطون في المنظمة والعاملون في أبراج المراقبة دوراً بارزاً وهاماً في هذا المجال حيث كانوا يأمرون من يريدون الذهاب إلى مكان احتفال أسبانيا بالنزول للحيلولة دون ذهابهم أو على الأقل وصولهم متأخرين جداً.
يوم 15 يونيو : انطلاق المسيرة:
حددنا الانطلاق في ذلك اليوم على الساعة الرابعة مساءً حيث انطلقت المسيرة من وسط حي الزملة نحو كولومينا يادي ثم اتجهت شرقاً مع الطريق المؤدي الى الكوتشيرة مروراً بالشارع الرئيسي لوسط المدينة ثم مضت إلى أقصى غرب المدينة Bario Cementerio منعطفة مع الطريق المؤدي إلى بولكو ومنه إلى وسط كولومينا ابييخا ثم الزملة وقد استغرق عبور و تجول المسيرة داخل المدينة ساعة كاملة من الرابعة إلى الخامسة مساءً وكانت تسير بكل هدوء وانتظام، وقد تحمس الاسبان لمشاهدتها وصعدوا إلى سطوح المنازل لالتقاط صوراً للحشود التي كانت تتبعها عدة سيارات للعمال الكناريين، وقد ذهل الترسيو والبوليس الذين اكتفوا بمرافقتها والسير على جوانب الطريق بسرعة مشابهة لسرعة المسيرة نفسها ولم يحدث أي اصطدام مع الشرطة، عدا إيقاف سيارة المطرب الموريتاني سيداتي ولد اب لأنها كانت تحمل أرقاماً أجنبية، فقد أعجبه المنظر فانضم إلى المسيرة مما جعل الشرطة تعيده إلى الدار التي كانت تستضيفه. بعد ذلك تفرقت الجموع بحي الزملة وتمت المسيرة بكل نجاح.
في الليل اجتمعت اللجنة المكلفة بتسليم المذكرة برئاسة بصيري وتمت تلاوتها وتنقيحها للمرة الأخيرة وهذه اللجنة تتكون من الإخوة: سيد ابراهيم سلامة اجدود و بدة احمد حمادي و محمد الحسان المحجوب و الحسين علا و احمد القايد و احمد بومراح و اخر لم اعد اذكر اسمه. وبعد ذلك عين كل من المحجوب عبد الرحمن وشداد القايد صالح لتسليمها ووضعت في ظرف كبير وأصبحت جاهزة شكلاً ومضموناً.
يوم 16 يونيو: يوم غير عادي:
بدأت الحركة منذ الصباح وتحول هدوء المدينة إلى حركة دائبة، سيارات قادمة من كل أنحاء الوطن، حشود كثيرة في ابهى الحلل، نصبت عشر خيم واستمرت التحضيرات طوال الليل.
يوم 17 يونيو: المواجهـــــــــــــــة:
اكتظت الخيم منذ الصباح، وتعاقب الخطباء على المنصة لإلقاء الخطب الحماسية وتوجيه النداءات والدعوات إلى الصمود، فهذا هو يوم الحسم مع الاستعمار وفرصة الصحراويين لاظهار قوتهم ورفض الانضمام لأية دولة.
كل هذا والانخراط في صفوف المنظمة مستمر وبعد ساعات أصبحت المدينة مهجورة فالكل قد حج إلى الزملة، لقد كان احتفالاً رائعاً وخالداً، بصيري يعطي تعليماته ويدعو إلى الصمود والثبات وكان يردد: الثبات، الثبات، اياكم والتراجع عن الأهداف السامية لمنظمتكم".
ولم يدخر الاسبان جهداً في ترويج دعاياتهم واغراءتهم لجلب انتباه اكبر قدر من المواطنين علهم يلتحقوا بمقر الاحتفال الخاص بهم في ساحة افريقيا بوسط المدينة، غير لنه لم يستجب لهم إلا القليل ممن ذهب إليهم مرغماً تحت تأثير الضغط او التهديد.
وفي حدود الساعة التاسعة صباحاً وصلت سيارتان، واحدة لـ" لوبيث أويرتا" وبصحبته النقيب "لاباخو" وضباط آخرين تتبعهم سيارات اخرى للشرطة، توقفوا أمام الخيمة الخاصة باستقبالهم وصافحوا الجميع بعدها قال لوبيث اويرتا : نحن مبعوثون من طرف الحاكم العام يريد منكم أن تفرقوا هذه الجموع، ويأمركم بالتوجه إلى وسط المدينة لتختاروا ممثلين عنكم يرافقوننا إلى مكان الاحتفال حتى نودع الأجانب بعد ذلك نناقش الأمور.
لم نقتنع بهذا الرد بل طالبنا بلقاء الجنرال "بيريث ديلما" هنا وليس وسط المدينة، أما الجموع فلن تبرح أماكنها ولن تشكل أي خطر مادامت لم تتعرض للاعتداء، ذهب الضابط الى الجنرال الذي جاء في حدود الساعة العاشرة ترافقه السيارتان السابقتان وسيارة حرسه الشخصي والكولونيل " اسبينسي " كاتبه العام آنذاك والمترجم "ميري"، بدوا غاضبين كأنهم أرغموا على المجيء ، فتم الترحيب بهم كممثلين لاسبانيا التي تربطنا بها علاقات تاريخية. بعدها رد الجنرال باختصار: "لقد جئتكم من اجل تفريق هذه الجموع " بعدها سلمت له المذكرة على أن لا يغادر أي فرد من الجموع المكان حتى يأتينا الرد: ادخل المذكرة في جيب معطفه دون أن ينظر فيها ثم خرج غاضباً وفي تلك اللحظة تعالى صوت احد الشباب أام الخيمة قائلاً: وداعاً يا أجانب، وداعاً يا أجانب. بعدها جاء وفد من الشيوخ للتفاوض في محاولة يائسة لإثناء طليعة المنظمة عن إقامة التجمع، وتفريق الجموع، لكن دون جدوى مما استدعى تدخل الكابتان "لاباخو" الذي جاء ومعه جماعة من الشرطة يحمل إنذاراً أخيرا " إذا لم تتفرقوا قبل الساعة الرابعة فسيتحول فرحكم الى دموع ودماء" . لكن وعيده لم يزدنا إلا صموداً. وبالفعل وفي تمام الساعة الرابعة مساءً جاءت كتيبة من الشرطة مسلحة بالهراوات متبوعة بأخرى مدججة بالسلاح (رشاشات ومسدسات)، تقدمت الأولى لاقتحام الجماهير ولكنها فشلت أمام قوة تماسك وصمود المتظاهرين مما دفعها إلى التقاعس والفرار وتقدمت الثانية يقودها الرائد لوبيث و الكابتان "لاباخو" في محاولة ماكرة لإلقاء القبض على زعماء المظاهرة بحجة النقاش معهم ووقعت مشادة بالأيدي في البداية للتطور إلى استعمال العصي والحجارة بين الشرطة والجماهير الغاضبة وإطلاق بعض الرصاصات فوق رؤوس الشعب قصد إرعابه وفي تلك الأثناء تم إلقاء القبض على بدة احمد حمادي واحمد القايد صالح وآخرون وأصيب النقيب " لاباخو" بحجر في عينه اليمنى وتدفقت الدماء غزيرة حمل على أثرها للمستشفى وتواصلت المشادات عنيفة ودامية، حين تعززت الشرطة بكتيبتين من قوات الترسيو في حدود الساعة الخامسة مساءً التي تقدمت من الحشود العزلاء في وضعية قتالية، يقودها عقيد يرتدي قفازين احدهما ابيض بيده اليمنى والأخر احمر بيده اليسرى، كان يشير بالأبيض للتقدم حتى أصبحت القوة قريبة من المتظاهرين عندها اشار بيده ذات القفاز الأحمر ليتبع ذلك أمر إطلاق النار بصورة عشوائية حيث سقط جرحى كثيرون وفي تلك الأثناء كتب بصيري بياناً مختصراً بالواقعة وسلمه إلى الأخ لارباس الجماني الذي حمله إلى السلطات الموريتانية وطلب منها ان تذيعه ليلة 19 يونيو، وقد وصل البيان بالفعل وأذيع في حين حملت نسخة أخرى إلى الجزائر، وفي تلك اللحظات الحرجة عرض الحاضرون على بصيري أن يغادر المنطقة إلى مكان امن، حتى أن البعض هدده بأنه سيستعمل معه القوة حفاظاً على سلامته ومصلحة أهل الصحراء، فكان رده حازماً وشجاعاً : أفضل أن اقتل هنا على أن يسجل التاريخ أني دفعت الجماهير إلى المواجهة مع الاسبان وفررت عنها في الساعات الصعبة، أنا مقتنع أني سأموت إنشاء الله، فكونوا رجالاً وسيروا على النهج حتى تحرير الصحراء، كانت تلك كلماته الأخيرة التي لازلت احفظها تتردد في ذاكرتي وكأني اسمعها تواً رغم مرور السنين، لكن الحدث والرجل كانا أعظم من النسيان وأبقى من الزمان نفسه.
نهاية الانتفاضة ومصير بصيري:
لقد انتهت الانتفاضة بوقوع بصيري في الأسر وذلك فجر 18 يونيو في منزل موسى ولد لبصير بحي الزملة وادخل السجن المركزي بمدينة العيون، وبقى فيه إلى أواخر شهر يوليو، حيث روى شاهد عيان انه في احد الأيام جاءت سيارة لاندروفير مغطاة وبها زمرة من الترسيو يقودهم ملازم وتوقفت عند الباب الرئيسي للسجن واقتادوه من داخل الزنزانة معصوب العينين ومكبل اليدين ورموه في تلك السيارة وذهبوا به الى وجهة مجهولة. إضافة إلى ذلك فقد سمعت روايات مختلفة غير مؤكدة، ولكن لابأس من سردها، مادامت تحمل ولو جزءً بسيطاً من الحقيقة أو ترشدنا لتتبع الخيط الذي يفضى إليها، فقد قيل أنهى نقل إلى الحدود المغربية واخلي سبيله وقول آخر يعزى إلى نقيب صحراوي كان بالجيش الاسباني آنذاك، انه رافق الدورية التي حملته كمترجم يقوم بالاتصال بين بصيري وسجانيه، حيث أكد انه قد حضر عملية إعدامه رمياً بالرصاص في شمال غرب مدينة العيون على بعد عدة كيلومترات (داخل منطقة الذراع) وعادت الدورية في نفس اليوم، بالإضافة إلى ذلك فإن إدارة المخابرات الاسبانية أصدرت منشوراً إخبارياً بتاريخ 24 أغسطس/ أوت 1970 وزعته على كل المناطق يفيد بأن المدعو سيد ابراهيم بصيري حسب نبأ غير مؤكد قد دخل عبر الحدود الشمالية الشرقية للصحراء والرجاء العمل على البحث عنه واعتقاله إلا أن هذا المنشور لم يلق أي اعتبار لان الكل كان متأكداً من انه مجرد مبرر كاذب وعملية تمويهية للجريمة الشنعاء المتمثلة في اختفائه في ظروف غامضة لا تزال إلى حد الساعة لغزاً يحير الجميع.
No comments:
Post a Comment