Monday, January 12, 2009

ماذا لو كانت غزة صحراوية؟
12/01/2009 بقلم: العصرية محمد الطالب
والله إن القلب لينفطر والعين لتدمع بسبب ما يجري على تراب غزة من قتل جماعي، وإبادة للنساء والأطفال والعجزة قبل الشباب والرجال، ولكن ما باليد حيلة سوى الدعاء لهم بالفرج والنصر إن شاء الله.وأنا أتابع كل ما يجري في غزة عبر قنوات الإعلام العربي توالدت في ذهني الكثير من الأسئلة دون أن أجد لها إجابات واضحة ومقنعة، وأكثرها إلحاحا علي هو ماذا لو كانت غزة صحراوية؟ هل كانت غزة الصحراوية ستحظى بنفس التغطية والمتابعة الإعلامية العربية لكل الانتهاكات والممارسات ضد الشعب الصحراوي؟صحيح أن الوضع مختلف في غزة، جراء العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني من جهة، ولكون هذا العدو هو إسرائيل من جهة أخرى، ولكن في حقيقة الأمر هو اختلاف في الشكل والإسم فقط، في حين يبقى الفعل واحد. فالهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين العزل ليست أكثر شراسة من الأعمال اللا إنسانية التي يمارسها النظام الملكي ضد الشعب الصحراوي منذ سنة 1975، ففي النهاية كلها أعمال منافية لحقوق الإنسان، وجرائم ضد الإنسانية، إهانة لكرامة الإنسان وإهدار لآلاف الأرواح البريئة والمستضعفة.الكل يطالب والكل يشتم الحكومات العربية على صمتها وعلى عدم تدخلها لوقف العدوان في مختلف المنابر وعبر كل القنوات واخص هنا الإعلام العربي بشكل كبير، ولكن أين كل هذه الأصوات عندما كانت ولا تزال غزة الصحراوية تحت النار؟ ولماذا هذا الصمت والتجاهل الإعلامي العربي للصحراء الغربية، التي تعاني من الحصار منذ 1975، والتي قصف أهلها من طرف أشقاءهم المغاربة بالنابالم، والفوسفور المحرمين دوليا، والتي لا زالت إلى حد الساعة ترزح تحت الإحتلال خلف جدار عسكري مغربي، يفوق طوله 2500 كلم، محروس من طرف أزيد من 120 ألف جندي، ومليء بأكثر من 5 ملايين لغم، وبالقنابل الانشطارية وغيرها من آلات الدمار؟صحيح أن معظم الإعلام العربي هو تابع للحكومات توجهه حيثما تشاء ولكن أين هي الصحف والقنوات العربية التي تتغنى بالموضوعية والاستقلالية؟ ولماذا هذا التهميش والتصغير لقضية الشعب الصحراوي من طرف الإعلام العربي؟في الحقيقة انه لأمر يدعو إلى الحيرة والتساؤل. فإذا أخذنا الإعلام بطبيعته البسيطة، أي انه المرآة العاكسة لآراء ومواقف الجماهير في كل دولة، فهل هذا يعني بالضرورة أن الإعلام العربي يعكس مواقف الدول العربية أو الشعوب العربية الآن وهل أن تضامنها يشكل دعما لموقفنا ونصرة للقضية الفلسطينية بسبب العدوان المتواصل على غزة.وفي إطار التضامن مع الشعب الفلسطيني، نظم طلبة الجامعة التي ادرس فيها بالجزائر وقفة تضامنية مع ضحايا غزة، ورغم إحساسي العميق بحجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها أشقاءنا بغزة الآن، إلا أنني غبطتهم على التعاطف والتضامن اللامشروط الذي كان رفاقي الطلبة الجزائريون ومن جنسيات عديدة يبدونه مع القضية الفلسطينية. لقد كانوا يرددون "نحن فداك يا غزة"، وكم كنت أتمنى أن يقولوا كذلك "نحن فدا العيون المحتلة"، ولكن هيهات فغزة بالنسبة لهم في كفة والعيون، عاصمة بلدي المحتل، في أخرى. هذا على الأقل رأي أستاذتي ل "وسائل الإعلام والسلطة والرأي"عندما كنا نناقش الصمت العربي تجاه القضايا العربية، حيث تدخلت أستاذتي العزيزة قائلة أن الأمر في فلسطين يختلف عن الصحراء الغربية، إذ رأت أنه يستحيل عليها أن تحارب "الأخ" المغربي. ولكنني أقول: أستاذتي، إن "ظلم ذوي القربى أشد مضاضة"، لأن النظام المغربي، الذي لا يعطي أي قيمة لمواطنيه المغاربة أنفسهم، غزا بلدنا الآمن غدرا، وأعمل فيها قتلا، وتنكيلا، وسجنا. النظام في المغرب، أستاذتي، قتل عوائل بأكملها في غارات طيرانه على مخيمات أم دريقة، وتيفاريتي. النظام في المغرب تسبب في قتل جيل كامل من الأطفال الصحراويين سنوات75 و 76 و 77. جيش النظام في المغرب، أستاذتي، دفن عشرات الأبرياء أحياءا في مقابر جماعية هاهي ذي تكتشف كل ساعة وسط صمت دولي وعربي مطبق. نظام الرباط أستاذتي العزيزة شرد آلاف المواطنين الصحراويين في كل أنحاء العالم، وحرمهم من خيرات بلادهم، ومن الأمن والأمان، ومن حقوقهم. وحتى أولئك الصحراويين الذين كتب لهم البقاء على أرضهم لم يسلموا من بطش نظام "الإخوة" في الرباط، وهاهي عشرات آلاف الضحايا وعوائل الضحايا ينتفضون يوميا بالمناطق المحتلة من الصحراء الغربية ضد احتلال بلدهم، وضد الظلم، دون أن يتحرك عربي واحد لإدانة. وللأسف الشديد، جاءت منظمة أمريكية من آخر الدنيا، هي هيومان رايتس واتش، لتقول كلمة الحق السنة الماضية، بالرغم من أنها لم تقل كل الكلم، ولتفضح نظام "الإخوة" هذا الذي تتحدثين عنه، وتتهمه بارتكاب جرائم ضد الصحراويين بصريح العبارة.هذا الأخ والجار، أستاذتي، لم يراعي رابط الأخوة، حين احتجناه ونحن مستعمرون من طرف الدولة الإسبانية، ولم يقدم لنا أي دعم يذكر في مقاومتنا ضد الإستعمار الإسباني، بل تآمر معه سنة 1975 في ما يسمى بالاتفاقية الثلاثية، واقتسمنا معه كما تقتسم الغنيمة الأسيرة المسبية، ومزق روابط الأخوة ببرودة أعصاب وبسابق إصرار وترصد دون أن يرف له جفن.إن هدفي من سرد هذه الأحداث هو التعبير عن الأسف، لأنه إن كان هذا رأي مثقفة عربية، بالدرجة الأولى، وجزائرية بدرجة ثانية، وبصفتها مواطنة من دولة تعتبر حليفنا الأول فما بالك بالمواطن العربي الذي يجهل تماما حيثيات القضية بسب التعتيم الإعلامي العربي الرسمي والمستقل، بين قوسين.إن المواطن العربي، والمثقف العربي، للأسف الشديد، وبالرغم من رغبته الملحة في الإنعتاق من قيود الأنظمة، إلا أنه لا زال مستلبا لدعاياتها، ومأخوذا بمغالاطاتها، ولا يحاول بتاتا أن يرى الأشياء بكلياتها، وبرؤية مفتوحة على الرأي الآخر. وهذا هو العائق الذي يعاني منه الشعب الصحراوي، الذي يجد نفسه مصدودا من طرف إخوانه العرب كلما حاول التواصل معهم، بسبب عشرات السنين من الدعاية الرسمية التي تحاول إقصاءه، وإظهاره بمظهر الطفيلي، المهمش، وبمظهر الكائن الذي لا يستحق الحياة. ويجد نفسه ضحية الآراء المسبقة ورفض أعمى لتقبل الحقائق كما هي، وكما تعترف بها كل شعوب العالم، ماعدا الشعوب العربية، وهي أن الصحراء الغربية هي آخر مستعمرة في إفريقيا، وأن الدولة المغربية دولة محتلة، ومنتهكة للشرعية الدولية.فكان الله لغزة ما أتعسها بعروبتها، وكان الله لنا نحن الصحراويون ما أتعسنا بتمسكنا بعروبتنا بالرغم من كل هذا الصدود.

No comments: