العربي مسعود: تعذيب لاينتهي بالسجن المحلي بإنزكان" بسجن يفتقد لأبسط الشروط الإنسانية ويعامل فيه السجين كسلعة قابلة للبيع والشراء تبعا لطبيعة التهم الموجهة ضده ومدة محكوميته ، إضافة إلى وضعه المادي والإجتماعي والإقتصادي ... وبسجن يشكل مزبلة بالنسبة لتاريخ الإنسانية ، التي تصبح مجردة من كينونيتها ووجودها الفعلي في الحياة ، على اعتبار أن " الداخل لهذا السجن يعد من المفقودين والخارج منه يصبح كالمولود الجديد " ... فبسجن كهذا يصبح كل شيء مباح بحكم حجم الإنتهاكات السافرة التي تستهدف بالأساس الشخص سواء كان معتقلا أو خارج الإعتقال في أقدس ما يملك ألا وهو الكرامة والحرية والتفكير ... "
جزء من شهادة أحد الناجين سنة 2000 من جحيم سجن إنزكان الرهيبهذا هو مصير من يحتج على الوضعية المزرية بالسجن المحلي بإنزكانإنه وبصفتي معتقل رأي صحراوي سابق في الفترة الممتدة مابين 06 ديسمبر / كانون الأول 1999 إلى 07 نونبر / تشرين الثاني 2001 ، حيث قضيت منها في السجن المحلي بإنزكان / المغرب مدة 11 شهرا رفقة المعتقلين السياسيين الصحراويين " الشيخ خيا " و " إبراهيم لغزال " و " السالك باهاها " الذي إلتحق بنا بعد مضي 07 أشهر قبل أن ننقل إلى السجن المحلي ( بولمهارز ) بمراكش/ المغرب ، فإنني أقدم هذه الشهادة الحية التي تعكس تجربة مرة وصعبة بسجن إنزكان ، الذي تنعدم فيه أبسط الشروط الإنسانية ، حيث يعامل فيه الإنسان كالحيوان بعد أن يجرد من انسانيته ويصبح خاضعا كليا لإرادة أقوى منه مجسدة من جهة في طبيعة المكان وقساوته وفي سوء معاملته من طرف إدارة السجن وبعض الموظفين ، الذين كونوا ثروة هائلة عن طريق المخدرات وابتزاز النزلاء وعائلاتهم ، التي تضطر لدفع الأموال طيلة تواجد السجين من أجل أن يظل متوفرا على مكان للنوم ومتصلا بالعالم الخارجي ومحضوضا في العلاج والفسحة والزيارة وفي السماح له باستعمال مواد ممنوعة .
فبالرغم من القانون 23 / 98 المنظم للسجون بالمغرب ووجود منظمات وجمعيات حقوقية مغربية بالخصوص ، وعلى رأسها المرصد المغربي لحماية السجناء الذي كان قد زار هذا السجن بتاريخ 29 مايو / آيار 2000 ووقف على مأساة النزلاء واستمع لشكاويهم حول التعذيب النفسي والجسدي الذي يعانونه طيلة فترة محكوميتهم ، وبالرغم من بناء سجن آخر بأيت ملول ( حوالي 10 كلمتر جنوب مدينة إنزكان ) وفتحه سنة 2003 بعد التقرير الذي أنجزه معتقل الرأي الصحراوي السابق " علي سالم التامك " حول هذا السجن ، فإن المعاناة مستمرة بشكل كبير ومخيف بهذا السجن الذي لازال يضم نسبة مرتفعة من النزلاء تفوق طاقته الإستعابية بثلاثة أضعاف تقريبا ، كما أنه مستمرا في الإحتفاظ بنفس الموظفين تقريبا ، لإن نسبة كبيرة منهم قاربت 25 سنة في العمل فيه ، وهو ما يفسر رغبتها في أن تستمرة في الغناء الفاحش على مأساة نز لاء أغلبهم من تجار المخدرات والنصب والإحتيال .
إن هذا السجن ـ السيئ الذكر ـ يظل يشكل مأساة حقيقية للسجناء ، ليس فقط كونه بناية قديمة تعود إلى الإستعمار الفرنسي ، والذي كان يخصصه للخيول والخنازير التي يتم اسطيادها من المناطق المجاورة آ نذاك ، بل لكون المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج مستمرة في اعتماده كسجن رئبيسي ، المراد منه الموت البطيئ والمعاناة الدائمة وتنامي الجريمة ، على اعتبار أن النسبة الأهم من النزلاء تعودت الدخول والخروج بتهم مختلفة ومتعددة ، وهو ما يفسر أن إعادة الإدماج ماهي إلا شعار يتم استغلاله بغرض إعطاء صورة عن الدولة المغربية أنها تعمل على إدماج السجين ، فأي إدماج هذا مع الواقع المتردي والمتأزم للسجون المغربية ؟ أي إصلاح للسجين وقد قضى مدة محكوميته في ظروف صعبة تعرض خلالها لممارسات جردته من انسانيته ولتعذيب وحشي مذل للكرامة الإنسانية ؟ ، ألم يحن للدولة المغربية إقفال السجن نهائيا واعتباره مركزا لفحظ الذاكرة ، باعتباره كان ولازال سجنا يضم العديد من سجناء الرأي الصحراويين والمغاربة ؟ .
ينقسم هذا السجن إلى 03 أجنحة وهي :
ـ جناح القشلة : ويضم 07 غرف تتراوح مساحتها مابين 20 متر مربع يتكدس فيها النزلاء مع كل مستلزماتهم ، بالإضافة إلى 03 زنازن إنفرادية ( الكاشو ) مساحتها لا تتعدى 03 أمتار مربعة ، غالبا ما يتم استخدام إحداها لإحتجاز السجناء الذين يواجهون إجراءات تأديبية في غياب مجلس تأديبي كما ينص على ذلك القانون 23 ـ 98 المنظم للسجون ، أما الثانية فهي تخصص لمجموعة المعوقين ، في حين الزنزانة الثالثة يتواجد بداخلها أصحاب الشذوذ الجنسي وعددهم في أغلب الأحيان 08 إلى 09 سجناء يتوسطهم مرحاض مكشوف عن آخره .
ـ جناح الحي الجديد : ويضم 06 غرف تبلغ مساحتها 12 متر مربع مغلقة من كل الوجهات .
ـ جناح النساء : وتتواجد به غرفتان لاتتعدى مساحة كل منها 20 متر.
ولا تجد أية غرفة من هذه الزنازين إلا وتضم مابين 100 إلى 120 سجينا و80 و90 سجينا بزنازين الحي الجديد و08 و09 في الزنزانتين المخصصتين للشواد جنسيا والمعوقين .
وينضاف إلى هذا الإكتظاظ انعدام التهوية والإنارة الكافية ، مما يزيد في معاناة النز لاء الذين يجدون صعوبة في الإزدحام وفي التنفس من شدة الروائح الصادرة من المراحيض أو تلك التي يخلفها الدخان المنبعث من السجائر ومن الآلاة المعدة للطهي ومن الأوساخ بفعل الإحتكاك وضيق المكان وانعدام النظافة أمام انتشار الأمراض بسرعة فائقة .
ويتوفر هذا السجن على إدارة ومعقل ومكان لاستقبال النزلاء الجدد ، الذي يظل ممتلئا باستمرار بحكم توافد النزلاء بكثرة وساحة صغيرة لاتف أبدا بالعدد الهائل من النزلاء وعلى مكتب اقتصادي ومكتبة صغيرة خالية من الكتب ، و قاعة للزوار صغيرة جدا تنعدم فيها أدنى الشروط اللازمة لاحترام الزائر والسجين وحمام صغير يتم تكديسه مرتين إلى ثلاثة مرات في الأسبوع بعدد كبير من السجناء مما قد يتسبب في الإنتقال السريع للأمراض الجلدية وغيرها وإلى جانبه مكان معد للحلاقة وبه أدوات جد عثيقة ونادرا ما تخضع للتعقيم وللنظافة ، وهو ما يساهم بشكل مباشر في انتقال القمل ووانتشاره وفي تغيير شكل الشعر ونتفه باستمرار ، إضافة إلى مصحة صغيرة قليلا ما تعتمد كمكان لإستقبال النزلاء المصابين بأمراض طارئة أو مزمنة بحكم ضعف طاقتها الإستعابية وبحكم أنها أيضا تخضع للمحسوبية والزبونية والرشوة من قبل المدير والطبيب وحتى الممرضين ، الذين يسهرون بين الفينة والأخرى على تقديم بعض الحبوب المخذرة لبعض النزلاء المصابين بأمراض عقلية ونفسية والمتواجدين مع السجناء في الغرف المكتضة .
ويظل المرضى من السجناء يعانون من أمراض مزمنة كالربوالحاد والروماتيزم والجهاز الهضمي وتسرب العديد من الأمراض الجلدية وفي الجهاز التناسلي بحكم انعدام النظافة وانتشار الحشرات بمختلف أشكالها وأنواعها دون الإهتمام بعلاجهم بغرض الضغط على النزلاء وعائلاتهم لدفع أموال أو هدايا يتم وضعها عند سماسرة مختصين غالبا ما يكونون تجار ببعض الدكاكين المجاورة للسجن ، وحتى إن كانت هناك معاينة لبعض النزلاء المحضوضين ، فإن الطبيب يكتفي بمدهم بأدوية غير كافية وفعاليتها تظل محدودة ، مما يؤدي بالسجين إلى طلب أسرته بالتكفل بإدخال الدواء له ، وهذا الأخير قد لايصل بصفته الكاملة إلى صاحبه بحكم تصرف الموظفين فيه .
ومعاملة السجناء تخضع إلى التمييز بينهم وإلى الطوارئ كل حسب الخدمات التي يقدمها للإدارة أو للحراس : من وشايات أو رشوة أو زبونية أو محسوبية، حيث أصحاب المخدرات وكبار اللصوص والجرائم البشعة هم الذين يحضون بالحض الأوفر من العناية ، فإليهم توكل رئاسة الزنازين ومراقبتها وعليهم يتم الإعتماد في التعذيب النفسي والجسدي للنزلاء وبواسطتهم يتم ترويج وبيع المخدرات بطرق محكمة تظل إدارة السجن وبعض الموظفين متحكمين فيها وفي الكميات من المخدرات التي تدخل المؤسسة وفي الأموال الباهضة التي يخلفها الإتجار فيها ، وهذا ما يدفع بالصغار من أباطرة وشبكة المخدرات يتناوبون على السجن على طول السنة ، ضمانا للسير العادي لتجارتهم وضمانا للإدارة أن تظل في التعامل مع نفس الوجوه بدل وجوه أخرى قد تسبب لها وللموظفين المتورطين في هذا النوع مشاكل أو اختراقات من عناصر الشرطة.
وناذرا ما يحضى هذا السجن بزيارة من المسؤولين في إدارة السجون أو وزارة العدل او المجلس الإقليمي بالتسيق مع وزارتي الداخلية ووزارة العدل حسب مذكرة منجزة في هذا الشأن ، وإذا ما توفرت مثل هذه الزيارات فأول من يعلم هو إدارة السجن ، التي تتهيئ جيدا وتحسن معاملة السجناء وتمنع منعا كليا المواد المحرمة ، وهذا ما يجعل الزيارة تكتسي صبغة المعاينة بدل الإستماع إلى المعاناة اليومية للنزلاء ، الذين يظلون طيلة فترة بقائهم بهذا السجن محرومون من النوم ومن العلاج ومن النظافة ومن حتى الصلاة الفردية والجماعية بحكم غياب مكان للصلواة .
إن طرق النوم كا رثية للغاية ، بحيث أن السجين لازال يطالب بحقه في النوم داخل هذا السجن الأسود ، ففي غرفة ضيقة تنعدم فيها التهوية يحيا / يموت فيها أكثر من 120 سجينا بطريقة تشبه تكدس " السردين " بالعلبة المعدنية أو بالصندوق المخصص لنقل السردين ، فإذا كان البعض بحكم أقدميته أو قوته البدنية أو محسوبيته أو ماله او بفضل جرائمه البشعة قد حصلوا على مكان يشبه القبر لاتتعدى مساحته 20 سنتيم عرضا ، فإن البقية الكثيرة تجبر على النوم بطريقة ما يسمونه " التقلاش " ، وهي طريقة لتعذيب النزلاء بعيدا عن الحراس ، فبعد أن يأخذ أصحاب الأمكنة مكانهم يقوم رئيس الغرفة ومساعده بتكديس أكثر من 80 سجينا في مساحة قد لاتتعدى 12 متر مربع يرغمون على النوم وأرجلهم ثابتة في الهواء ، وإذا ما حاول أحدهم التحرك يمينا أو شمالا ، فإنه يظل الليلة كله واقفا على رجل واحدة ، في حين ينام البقية في المراحيض أو فوقها أو بجانبها مع القمامة ، وهي أمكنة يفضلها أغلب السجناء ، وهناك من يدفع لأجلها 10 علب من السجائر تجنبا من النوم في " لاكار " أو ما يسمى ب " الزوبية " التي إن بات بها السجين ، فإنه يظل اليوم كله يشتكي من آ لام في عظامه وأضلعه ورأسه بسبب الضغط البشري ، حيث يتكدس الجميع دون مراعاة لسنهم أو بنيتهم الجسمانية أو العقلية ، بمعنى أن متاعب النزلاء متواصلة ولايمكن أن تتوقف ، لإن الوافدين الجدد يزداد عددهم يوما بعد يوم دون أن يسبب ذلك قلقا للإدارة وللموظفين ، الذين وبمجرد وصولهم يقومون بسلبهم بعض ممتلكاتهم الشخصية مقابل أن يقومون بخدمتهم مستقبلا ، فهذا النزيل الجديد يعتبر بالنسبة للموظفين ومن خلالهم مدير السجن مصدر رزق وعملة صعبة غالبا ما يتم اخضاعها بسرعة فائقة لرغبات الإدارة التي تتلذذ بشكل سادي بتعذيب النزلاء بهذه الطريقة وغيرها ، مع العلم أنها تروج في الفضاء الخارجي أنها مؤسسة تربوية وتعيد إدماج السجين في محيطه الإجتماعي ، لكن وبموجب هذا الإكتظاظ تطغى عدة ممارسات مشينة أو مهينة وحاطة بالكرامة الإنسانية التي من الممكن تسفر عن انتشار ظاهرة الإغتصاب والتحرش الجنسي ويطغى الكلام الفاحش والنابي المخل للإخلاق ، ليس فقط من طرف النزلاء ،بل من طرف الموظفين الذين كثيرا ما يلجأون إلى ممارسة الضرب المبرح ومضايقة السجناء بغية دفع الأتوات
لايزال المعتقلون ينامون بهذه الطريقة بالسجن المحلي بإنزكان (الصورة) ء
الفسحة داخل السجن لاتتعدى 15 إلى 20 دقيقة في اليوم ويحرم منها الجميع ما عاد المحظوظون يوم السبت والأحد وتكون من الساعة 09 إلى 11 صباحا ومن 03 إلى 05 مساء وهناك من يستغلها في تنظيف وسط الغرفة السجنية المتسخة دوما بفعل الإكتظاظ وعدم توفر اللوازم الضرورية للنظافة والحماية من الأوساخ ، فطوال الفترة التي تواجدت بها بالغرفة 02 و 04 و 07 بحي القشلة لم تقدم إدارة السجن على إرغام النزلاء على تنظيف الزنازن للتخلص من مجموعة من الجراثيم والحيوانات الصغيرة التي تغزو المكان وتتقاسم الأكل والشراب مع السجناء .
ويعد زمن الفسحة ضيقا بالمقارنة مع القانون 23 ـ 98 المنظم للسجون بالمغرب الذي يمنح ساعة كاملة للفسحة في اليوم الواحد .
نظام التغذية هوضعيف جدا ، إذ يقتصر في وجبة الفطور على الشاي أو القهوة أو الحساء ، أما وجبة الغذاء فعادة ما تكون قطاني أو خضر مختلطة أو كسكس بارد ، ويحرم السجين من قطعة صغيرة ( 100 غرام ) من اللحم لمدة تفوق من 20 إلى 30 يوما ، ويحصل فقط على بيضة واحدة في زمن يتعدى 15 يوما ، في حين وجبة العشاء غالبا ما تكون أرزا أو شعرية أو جلبانة .
وإذا ما نظرنا إلى الوجبات المقدمة فهي خالية من المواد الأساسية التي تحتفظ على توازن الحالة الصحية للنزلاء ، وهذا ما يجعل الإعتماد على " القفة " القادمة عن طريق العائلة شيئا واردا ، بالرغم من كونها تكلف مصاريفا ضخمة تنضاف إلى تلك المقدمة لبعض الموظفين والإدارة السجنية . وتعتمد الغالبية على الطهي داخل الزنزانة بالإعتماد على ما يسمى ب " الفورنو " الذي يتم ملؤه بالزيت وتوضع بداخله خرقة من الثوب تظل مشتعلة لعدة ساعات ، وهو ما يتسبب بفعل ضيق المكان والضغط البشري في إصابة مجموعة من النزلاء بأمراض خطيرة ك " الربو " وأمراض الرأتين والحساسية المفرطة وقد يتسبب في إخطار جسيمة نتيجة الصراعات التي تنشب هنا وهناك بين النزلاء ، وهذا ما يجعل الموظفين يشنون في الكثير من الأوقات حملات تفتيش لمختلف الغرف ، ليس من أجل انتزاعها ، بل قصد الحصول على رشاوى أو هدايا من مستعمليها .
أما استعمال الهاتف فيخضع للمراقبة الدقيقة والدائمة والإبتزاز اليومي ، فمن أجل المكالمة الواحدة ينبغي دفع علبة من السجائر ، وكدليل على المراقبة يمكن الرجوع إلى المرصد المغربي لحماية السجناء بالمغرب لمعرفة عدد المكالمات الواردة عليه من داخل السجن ، خصوصا وأن الزيارة التي قام بها هذا المرصد تم توزيع أرقام الهواتف كحماية أولى للسجناء للدفع بهم للتبليغ عن مختلف الخروقات الممارسة ضدهم بالسجن .
إن عدد الهواتف لايتعدى هاتفين وهو رقم لايغطي أبدا الحاجة الملحة للنزلاء الذي يبلغ عددهم أكثر من 2200 سجينا ، حيث يخصص يومي الإثنين والثلاثاء لحي القشلة ويومي الأربعاء والخميس للحي الجديد ويوم الجمعة لنزيلات حي النساء .
وعلى العموم تصل الأوضاع بهذا السجن الرهيب إلى حد المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، فالزنازن دوما قدرة ورطبة وباردة في الشتاء وحارة في الصيف ، مما يتسبب في الروائح الكريهة التي تزكم الأنفس ، كما أنها مليئة بالحشرات والصراصير وغيرها والتي تتسلل إلى الجسد في كل وقت وحين، لاتوجد بداخل هذا السجن أسرة ويكون حيز النوم كما أشرنا سابقا دوما ضيقا لإن الزناين مكتظة وفي بعض الأحيان لايتوفر النزلاء على حيز للإستلقاء على ظهورهم والمرافق الصحية جد فضيعة ، ذلك أن السجناء يشتركون في استعمال مرحاض واحد بالتناوب ، وهذا يتنافى والقواعد النموذجية الدنيا لحماية السجناء في الفقرة 12 ، ولاتوجد أية مرافق أخرى لغسل الثياب وأواني الطعام كما هو وا رد في نفس القواعد في الفقرتين 13 و14 .
يتحول هذا المرحاض في الليل إلى مكان للنوم بشكل مخيف ومذل للكرامة الإنسانيةأما عن الطعام غير كاف ورديء النوعية والأطباق التي يتناول فيها السجناء هي من البلاستيك وغالبا ما تكون على شكل قارورات قذرة جدا لإنها لايتم غسلها بالشكل الصحيح وغالبا ما يحتوي الطعام على أتربة وأحجار وحشرات وأوساخ ، وهذا كله يتناقض والفقرة 20 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ، التي تقول " توفر الإدارة لكل سجين في الساعات المعتادة وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه ، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم " .
أما الرعاية الطبية وكما أكدنا سابقا فتكاد أن تكون منعدمة ، فغالبا ما تنتشر الأورام بالجسم على شكل خدشات ويكثر الصراخ ليلا ونهارا دون أن يتدخل أحد لإنقاذ المشتكي في انتظار أن يدفع عملة مقابل فقط المعاينة من طرف الطبيب أما الحصول على الدواء فيستدعي مجهودا آخرا قد ينتهي بدون الحصول عليه ، مما يجعل السجناء إلى معالجة بعض الجروح بالوسائل الطبية التقليدية و التبول أو باللجوء إلى نسيانها وفي ذلك خطورة في انتقالها ، خصوصا وأن الإزدحام يمارس حضوره في كل مكان ، فالأرجل تتشابك والأيادي تتلامس والرؤوس تتلاصق ، حيث يصعب التنفس والحركة .
وأخيرا يبقى السجن المحلي بإنزكان سجنا للمعاناة والألم ، يتجرد الإنسان داخله من إنسانيته ويصبح بهيمي في كل شيء منهك القوى فاقدا لكرامته قابلا للإنفجار في أي وقت ، لإنه في مكان تنتهك فيه المبادئ المحددة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ، هذا الفضاء يظل يشكل بحد ذاته تعذيبا دون الإشارة إلى سوء المعاملة وضروبها القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة .
العربي مسعود
سجين رأي صحراوي سابق
37966رقم الإعتقالhttp://www.maroc.attac.org/jooomla/index.php?option=com_content&task=view&id=938&Itemid=97