روس امام الباب المسدود
الأحد, 28 مارس 2010 محمد الأشهب /المصدر: دار الحياة
قناعة كريستوفر روس بأن نزاع الصحراء يواجه الباب المسدود كانت في محلها. فقد ادرك الديبلوماسي الأميركي أن غياب حسن النية يشكل عقبة كأداء، وليس هناك مفاوضات يمكن ان تذهب بعيداً ان لم يكن اطرافها مسلحين بحسن النية، أي الرغبة في انهاء المشكل وليس الالتفاف عليه أو التعايش معه، وكأن شيئاً لم يحدث.
بلغة الاشارات بدأ روس جولته الى المنطقة من المغرب وانهاها في الجزائر، وما بينهما كانت له مباحثات في مخيمات تيندوف وموريتانيا. ولعل ابرز ما صدر عنه في الجزائر انه قال ان الاخيرة كبلد مجاور للصحراء الغربية «مدعوة للتعاون مع الامم المتحدة من اجل الوصول الى حل سياسي يتوافق ومبادئ الامم المتحدة». وفهم من كلامه انه من دون تعاون الجزائر سيتم المأزق. غير انه ابدى تفاؤله ازاء الفرص المتاحة لايجاد حل امثل للمنطقة على الصعيدين الامني والانساني.
مفاد ذلك ان التباين القائم في مواقف الاطراف ازاء مفهوم الحل السياسي لا يلغي فرضية التعاطي والبعدين الامني والانساني، كونهما اقل احراجاً للاطراف في الانتقال من مربع لآخر. ولعهما المرة الاولى التي يعرض فيها موفد دولي الى الصحراء القضايا الامنية والانسانية كمدخل لحلحلة المواقف، بخاصة وان زيارته للمنطقة كانت للبحث في المراحل القادمة للتسوية السياسية أي استئناف المفاوضات من منطلقات جديدة.
على مشارف أية مفاوضات رسمية أو غير رسمية كانت الاطراف تتخندق داخل حصون من المواقف المتعارضة. واذ يقر روس بوصول مساعيه الى الباب المسدود، فإنه يفتح هوة صغيرة في الجدار السميك بعنوان امني وانساني. ما يعني ان اوضاع اللاجئين الصحراويين في مخيمات تيندوف لا يمكن حجبها بسبب عدم التوصل الى اتفاق حول مرجعية المفاوضات. وبالقدر نفسه فان الهاجس الامني الذي يفرض نفسه على المنطقة وجوارها الاقليمي وشركائها الاوروبيين والاميركيين لا يمكن اسقاطه من معادلة التسوية في انتظار انضاج المواقف.
لا يريد روس ان ينتهي الى التسليم بأن نزاع الصحراء وجد ليبقى فترة اطول مما استغرقه حتى الآن. ولا يريد ان ينفث الكثير من الغبار حول تجربته في النفاذ الى جوهر المشكل. فالحل في نظره ممكن وضروري. لكنه يتطلب نفساً عميقاً وقوياً لجلب الاطراف الى المشي على طريق واحدة.
في زيارته الاولى كان معنياً باستيعاب صدمة انهيار المفاوضات بعد اربع جولات في مانهاست. كانت الاطراف كافة خارجة للتو من تأثير رهان لم يكتمل، بعضها اعتبر المفاوضات المباشرة في حد ذاتها انجازاً وبعضها رآه في فشلها مكسباً.
في جولته الثانية لوح روس بالبعد الاقليمي للنزاع وامتزج رأي الاتحاد المغاربي قبل ان يخلص الى فك عقدة الالسنة عبر مفاوضات غير رسمية، لا تزيد عن الرسمية أكثر من أنها اقل الزاماً وأوسع هامشاً. بيد انه في زيارته الاخيرة حض الجزائر على التعاون مع جهود الامم المتحدة في اشارة الى قرارات مجلس الأمن التي دعت دول الجوار الى تشجيع المفاوضات.
أبعد من هذه المنهجية التدريجية والمتصاعدة ان روس بدا مثل مكتشف المسالك في تخوم الصحراء تضيع منه طريق فيعمد الى تجريب المشي في آخر، والمهم لديه انه برمج بوصلته على واحة السلام، من دون الانخداع بأوهام السراب، والراجح انه حين سيعود الى مجلس الامن الشهر القادم سيكون اختار الطريق الذي يفضي الى الحل. والاكيد انه وقد جرب السير في نفق مظلم لم يتهم احداً بالعمى، لكنه ظل يسير الى النور الخافت في نهاية النفق.
ان كانت مفاوضات الصحراء مستعصية سياسياً نتيجة تباعد المواقف، فإنها قد لا تكون كذلك في الاحاطة بالتحديات الامنية والاوضاع الانسانية، وهنا تحديداً يكمن جوهر الاختراق الذي يرغب روس في انجازه، غير ان الحوار حول هذه القضايا يصعب ان يكون انتقائياً في ضوء تداخل الملفات وتباعد المواقف
الأحد, 28 مارس 2010 محمد الأشهب /المصدر: دار الحياة
قناعة كريستوفر روس بأن نزاع الصحراء يواجه الباب المسدود كانت في محلها. فقد ادرك الديبلوماسي الأميركي أن غياب حسن النية يشكل عقبة كأداء، وليس هناك مفاوضات يمكن ان تذهب بعيداً ان لم يكن اطرافها مسلحين بحسن النية، أي الرغبة في انهاء المشكل وليس الالتفاف عليه أو التعايش معه، وكأن شيئاً لم يحدث.
بلغة الاشارات بدأ روس جولته الى المنطقة من المغرب وانهاها في الجزائر، وما بينهما كانت له مباحثات في مخيمات تيندوف وموريتانيا. ولعل ابرز ما صدر عنه في الجزائر انه قال ان الاخيرة كبلد مجاور للصحراء الغربية «مدعوة للتعاون مع الامم المتحدة من اجل الوصول الى حل سياسي يتوافق ومبادئ الامم المتحدة». وفهم من كلامه انه من دون تعاون الجزائر سيتم المأزق. غير انه ابدى تفاؤله ازاء الفرص المتاحة لايجاد حل امثل للمنطقة على الصعيدين الامني والانساني.
مفاد ذلك ان التباين القائم في مواقف الاطراف ازاء مفهوم الحل السياسي لا يلغي فرضية التعاطي والبعدين الامني والانساني، كونهما اقل احراجاً للاطراف في الانتقال من مربع لآخر. ولعهما المرة الاولى التي يعرض فيها موفد دولي الى الصحراء القضايا الامنية والانسانية كمدخل لحلحلة المواقف، بخاصة وان زيارته للمنطقة كانت للبحث في المراحل القادمة للتسوية السياسية أي استئناف المفاوضات من منطلقات جديدة.
على مشارف أية مفاوضات رسمية أو غير رسمية كانت الاطراف تتخندق داخل حصون من المواقف المتعارضة. واذ يقر روس بوصول مساعيه الى الباب المسدود، فإنه يفتح هوة صغيرة في الجدار السميك بعنوان امني وانساني. ما يعني ان اوضاع اللاجئين الصحراويين في مخيمات تيندوف لا يمكن حجبها بسبب عدم التوصل الى اتفاق حول مرجعية المفاوضات. وبالقدر نفسه فان الهاجس الامني الذي يفرض نفسه على المنطقة وجوارها الاقليمي وشركائها الاوروبيين والاميركيين لا يمكن اسقاطه من معادلة التسوية في انتظار انضاج المواقف.
لا يريد روس ان ينتهي الى التسليم بأن نزاع الصحراء وجد ليبقى فترة اطول مما استغرقه حتى الآن. ولا يريد ان ينفث الكثير من الغبار حول تجربته في النفاذ الى جوهر المشكل. فالحل في نظره ممكن وضروري. لكنه يتطلب نفساً عميقاً وقوياً لجلب الاطراف الى المشي على طريق واحدة.
في زيارته الاولى كان معنياً باستيعاب صدمة انهيار المفاوضات بعد اربع جولات في مانهاست. كانت الاطراف كافة خارجة للتو من تأثير رهان لم يكتمل، بعضها اعتبر المفاوضات المباشرة في حد ذاتها انجازاً وبعضها رآه في فشلها مكسباً.
في جولته الثانية لوح روس بالبعد الاقليمي للنزاع وامتزج رأي الاتحاد المغاربي قبل ان يخلص الى فك عقدة الالسنة عبر مفاوضات غير رسمية، لا تزيد عن الرسمية أكثر من أنها اقل الزاماً وأوسع هامشاً. بيد انه في زيارته الاخيرة حض الجزائر على التعاون مع جهود الامم المتحدة في اشارة الى قرارات مجلس الأمن التي دعت دول الجوار الى تشجيع المفاوضات.
أبعد من هذه المنهجية التدريجية والمتصاعدة ان روس بدا مثل مكتشف المسالك في تخوم الصحراء تضيع منه طريق فيعمد الى تجريب المشي في آخر، والمهم لديه انه برمج بوصلته على واحة السلام، من دون الانخداع بأوهام السراب، والراجح انه حين سيعود الى مجلس الامن الشهر القادم سيكون اختار الطريق الذي يفضي الى الحل. والاكيد انه وقد جرب السير في نفق مظلم لم يتهم احداً بالعمى، لكنه ظل يسير الى النور الخافت في نهاية النفق.
ان كانت مفاوضات الصحراء مستعصية سياسياً نتيجة تباعد المواقف، فإنها قد لا تكون كذلك في الاحاطة بالتحديات الامنية والاوضاع الانسانية، وهنا تحديداً يكمن جوهر الاختراق الذي يرغب روس في انجازه، غير ان الحوار حول هذه القضايا يصعب ان يكون انتقائياً في ضوء تداخل الملفات وتباعد المواقف
No comments:
Post a Comment