الشعب الصحراوي مستهدف في هويتهالتاريخ، الثقافة، العادات ومقومات الشخصية ليس من السهل أن يجد مجتمع نفسه محافظا على هويته من اللغة إلى الثقافة والعادات وكل مقومات شخصية أفراده بعد 32 سنة من الاستعمار والبعد عن الوطن الأم والشعور بفقدان الحرية•• انه الواقع الذي يريد المغرب فرضه على الصحراويين
رابح رافعي: مبعوث الفجر إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين
الاحتكاك بالمجتمع الصحراوي داخل المخيمات التي تحتضنه بالصحراء الجزائرية الموزعة على تراب ولاية تندوف والعيش وسطهم ليس كضيوف فقط وإنما كمواطنين قريبين جدا من هذا المجتمع المطروحة قضيته على هيئة الأمم المتحدة، جعلنا نقيم تصورا لهذا المجتمع بنظرة سوسيولوجية أكثر منها إعلامية، فالمجتمع الذي أنهكه الاستعمار لم يصب بالفيروس الذي أعده المغرب في ضرب المجتمع الصحراوي ومحاولة جعله تابعا له لم يؤد دوره بل ووجد مناعة قوية لصده والتعامل معه ككائن غريب دخل جسد المجتمع الصحراوي، فالقهر الممارس ومحاولة طمس الهوية وتغيير بعض الحقائق التاريخية لم يزد المجتمع الصحراوي بكل فئاته إلا قوة وعزما لدحض كل الافتراءات القائلة إن المجتمع الصحراوي هو جزء من الشعب المغربي
الأم العقل المدبر والمسير للعائلة
قد يكون العنوان المذكور عاديا لكل من يقرأه ففي كل الأسر تعتبر الأم هي الركيزة الأساسية لكن ما شاهدناه أن دور الأم في الأسرة الصحراوية أكثر من ضروري ومحوري ففي المخيمات مثلا تعرف إدارة المخيم أو المدرسة أسماء العائلات ليس من اسم الأب أو الاسم العائلي وإنما من الاسم الشخصي للأم والأسرة فهذه عائلة "دماحة" وأخرى عائلة "فاطمة " وهكذا دواليك وإذا ما تشابهت الأسماء مع بعضها فان الأمر يتطلب ذكر اسم الأب الذي يكون مرافقا لاسم الام أو الزوجة على سبيل المال "خديجة بنت سعيد " أو "عائشة بنت أحمد" وهكذا يمكن التعرف على كل العائلات دون اللجوء إلى مصلحة الإحصاء بالمدرسة التي تقابلها مصلحة الحالة المدنية عندنا في الجزائر ومن المشجع أن الصحراويين محافظون كثيرا على المواعيد فإذا قدم لك الصحراوي موعدا فالمؤكد انه سيسبقك إلى المكان ببضع دقائق فالأسبوع الذي تزامن مع وجودنا بالمخيمات كان مليئا بالمواعيد والنشاطات وكان الصحراويون يحترمونها كثيرا إلا في الحالات التي تكون فيها الظروف قاهرة فحتى وقت الزوابع الرملية التي تهب على المكان قد لا تمنع الصحراوي الذي قدم موعدا أن يخالفه أو يؤجله دون علم الطرف الأخر بذلك، وما شد انتباهنا في هذا المجتمع الذي لم يستجب لحملات المغرب المسمومة والقاضية بتحويل مجتمع قائم بذاته إلى حلقة تابعة إلى دولة أخرى• لقد ترجم حرص الصحراويين على إبقاء المجتمع بعيدا عن الهزات الارتدادية التي خلفها الاستعمار والبعد عن الوطن الأم، ذلك الاهتمام بالمرأة فالقاعدة المطبقة في الجمهورية الصحراوية هي "المرأة أساس كل استقرار اجتماعي" ود تجلى ذلك من خلال ضرورة انجاح المؤتمر الخامس لاتحاد المرأة الصحراوية الذي احتضن مخيم 27 فبراير فعالياته وظهرت فيه المرأة اقوى مما كنا نتصوره والملفت للانتباه أن الاتحاد المذكور لا يضم العشرات من النساء الصحراويات ولا يعيش الصراعات التي تعيشها اتحادات النساء في دول العالم فالاتحاد استطاع أن يصهر كل فعاليات المجتمع الأنثوية مهما اختلف المستوى الدراسي ولون البشرة والجهة وموطن المولد• ومبدأ الحرص على تطوير مسار المرأة الصحراوية جعل من الحكومة الصحراوية أن تنشىء كتابة دولة للشؤون الاجتماعية وترقية المرأة وهو الإطار الذي سمح بإدخال المزيد من النساء في عمل الاتحاد سواء على مستوى المخيمات أو على مستوى منظمات وشبكات التضامن النسائية في الخارج•
تعاطف قوي مع المرأة الصحراوية
لقد ظهر التعاطف والتآزر القويين مع المرأة الصحراوية من خلال التواجد المكثف للهيئات النسوية العالمية والوطنية من مختلف دول العالم وكذا التواجد القوي لوسائل الإعلام الأجنبية اظهر بشكل لا يدع مجالا للشك أن المرأة الصحراوية يقدرها المجتمع الدولي بشكل كبير وهي محل اهتمام حتى الباحثين والعلماء من اجل التعرف أكثر على ما ترتكز عليه في كفاحها الدائم ضد كل محاولات إبعادها عن وظيفتها الأساسية في ظل غربة وحرمان فرضتها دولة أخرى طوال 32 سنة وظلت المرأة الأجنبية تعبر عن تعاطفها مع تحسين الوضعية المادية والسياسية لها• وبلغ اهتمام الجمهورية الصحراوية والشعب الصحراوي بالدور الأساسي للمرأة من خلال انتخابها في البرلمان حيث تمثل المرأة نسبة 24 بالمائة داخل البرلمان وهي نسبة لا يستهان بها وتدعم الحقائق التي وقفنا عليا والتي مفادها أن المجتمع الصحراوي يدعم الدور المحوري الذي تلعب المرأة الصحراوية في المجتمع محو الأمية في الوسط النسوي بجمهورية الصحراء الغربية يعد من بين الركائز الأساسية التي يعتمد عليها حيث تم بناء وتجهيز أقسام لمحو الأمية بـ 12 دائرة مما ساعد بشكل ملحوظ على تحسين ظروف التحصيل بالنسبة للمرأة وكان ذلك وفق مناهج دراسية ووسائل بيداغوجية وتحفيزات تلقتها النسوة بالمخيمات لضمان التكوين باستمرار وقد م تقديم مساعدات إلى 87 معلما من يضمنون تقديم دروس محو الأمية• من جهة أخرى تم إنشاء تعاونيات ذات طابع إنتاجي وتجاري وخدماتي لفائدة النساء في مجال صناعة الخبز وصبغ القماش والصناعات التقليدية وصناعة الخيم وقد تم تدريب المرأة الصحراوية على عدة أعمال تفيدها في المنزل وفي طريقة تربية الأطفال والتوسيع من ثقافتها كالقيام بالأنشطة التحسيسية حول التربية الصحية وإبراز طرق الوقاية من أمراض سرطان الرحم والثدي وزيادة نسبة الضغط في الدم وسبل تحسين غذاء المرأة الحامل وغيرها من النشاطات•
شعب لا يملّ ولا يكره
من الصدف التي لاقتنا خلال مدة إقامتنا بمخيمات الصحراء الغربية بتندوف أن العائلة التي استقبلتنا الأب يشتغل كعسكري بإحدى المناطق الصحراوية المحررة والمتاخمة للمغرب وبعد 32 سنة من الاحتلال لم يفشل الأب الذي يرعى عائلة من 5 افراد من حمل السلاح والكفاح من اجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل ولا يعرف الملل مثله مثل العشرات من المواطنين الصحراويين الذين أبوا إلا أن يكونوا ضمن الجيش الصحراوي ومعتمدين على عدته من إمكانيات مادية• وتظهر القضية الصحراوية في صلب عقيدة افراد المجتمع فمن يعيش وسط هؤلاء سينصح لا محالة المغرب لسحب مشروع مقترح الحكم الذاتي، من هيئة الأمم المتحدة ويدعوها لطلب العفو عما صدر منها خلال 32 سنة فالشعب الذي اختار أن يعيش على طريقته وبنمط صحراوي محض لا اعتقد انه سيقول "نعم للانصهار في المجتمع المغربي"• المواطنون الذين أخرجوا من أراضيهم عنوة في احد أشهر سنة 1975 يشربون من كل الثقافات، ولعل سياسة التجهيل المتبعة لم تجن منها قوات الاستعمار شيئا فالأطفال الذين يتابعون دروسهم باهتمام ويتعلمون القوانين المدنية والعسكرية ويدرسون العلوم السياسية والعلاقات الدولية ليس من السهل إيهامهم بأن المغرب يريد أن يضمن مستقبلهم، فالأطفال يعون كل الوعي بقضيتهم العادلة وما آلت إليه• في مخيم 27 فبراير مثلا الثقافة الاسبانية منتشرة والسبب في هذه الحالة هذه الحالة ليس متعلقة بالاستعمار لأن اسبانيا لم تغتصب الأراضي الصحراوية يوما وانما الأمر يتعلق بارتباط وثيق بين المجتمعين صنعته القرابة في رؤية الدولتين
أطفال يتحدثون الإسبانية بطلاقة
لا يمكن أن نتصور مدى تحكم أطفال الصحراء الغربية في اللغة الاسبانية فالطفل الذي لا يتجاوز سن الخامسة من عمره على الاقل يكون يحفظ الأرقام ويعدها بالاسبانية فضلا عن الحروف الحروف، اما عن كلمات الترحيب وعبارات الشكر "صباح الخير "ومساء الخير" و"شكرا" قد يرددها الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس بعد، عشرات المرات يوميا• وبغض النظر عن البرامج التعليمية المتبناة في المدارس الصحراوية التي تضمن تمدرس المرحلة الابتدائية فقط والتي تولي أهمية قصوى للغة الاسبانية ابتداء من السنة الثانية فان أهمية هذه اللغة تظهر من خلال المعاملات اليومية للصحراويين حتى في غياب الاسبان الذين لا تكاد المخيمات تفتقدهم طوال السنة فالأفواج القادمة من مختلف المدن الاسبانية لا تجد صعوبة عندما تنزل إلى المخيمات فحتى المسالك المؤدية إلى الخيم تم التعرف عليها وتسميتها فكل طريق يوصل إلى العائلة الفلانية يكون معروفا من طرف الاسبان الذين يحاولون التحرر في تنقلاتهم مباشرة بعد الوصول إلى المخيمات دون الاستعانة بالمرشد أو المرشدة وتسير المدرسة في حالة وجود وفود بطريقة دقيقة ومدروسة حيث تجتمع الوفود القادمة إلى المخيم في المكان المعروف باسم "القوس" وهو المكان الواسع الذي يعد مركز المخيم أو المدرسة كما يحلو للكثيرين تسميتها وبالقاعة الكبيرة للقوس يتم تجميع كل الضيوف مهما كانت جنسياتهم ويتم توزيعهم على العائلات بحضور ممثل أو ممثلة عن العائلة والتي تسمى المرافقة وفي معظم الحالات تكون امرأة تجيد اللغة الاسبانية بطلاقة ولا تجد صعوبة في نطقها أبدا فلا مكان للفنادق أو المراقد هنا فالتضامن الاجتماعي يظهر في أبهى حلله بالمخيمات وبعد توزيع الضيوف على العائلات بمعدل 4 أو 5 أفراد لكل عائلة تتكفل العائلة المستقبلة بضيافة الأفراد طوال مدة إقامتهم مهما كانت مدتها طالت أم قصرت ونظرا لأن الاحترام متبادل بين الشعبين الصحراوي والاسباني ووجهات النظر متقاربة، نسجت علاقات غرامية بين الطرفين، حيث تحدث أفراد عن قصة الصحراوي الذي أصبح متيما بغرام إحدى الاسبانيات والذي سريعا ما وجد رد الفعل بنفس الشعور والإحساس وعليه نتجت قصة حب بين الشاب الصحراوي والفتاة التي أضحت لا تصبر على رؤيته وعليه أصبحت تتردد على المخيم بكثرة، وعن مستجدات عصافير الغرام بالصحراء الجزائرية داخل المخيمات أفاد مراهقون أنهما سينتقلان للعيش باسبانيا عن قريب ولم نجد إلا أن نتمنى للزوجين الحياة السعيدة والاستقلال القريب للصحراء حتى يتمكنا من العيش في كنف الحرية والأمان داخل جمهورية اسمها الصحراء الغربية•
http://www.al-fadjr.com/article.php?code=47734
No comments:
Post a Comment