أمهات المعتقلين يبعثن من جديد
عبدالله ساورة ـ زاكورة 01/03/2010
في الصورة مريم نبة والدة المعتقل علاء الدربالي-خاص
فجأة انقلبت حياة ثمانية عائلات إلى جحيم لاينتهي، تحول سكون مدينة زاكورة إلى سفر مشوب بالقلق والأحزان على أبنائهم خلف أسوار المعتقل منذ سنتين.
أفراد'' مجموعة زهرة بودكور'' يعانون داخل سجن بولمهارز بمراكش وأمهاتهم تعانين خارج المعتقل، . المغرب كان قد شهد تجربة أمهات المعتقلين السياسين، وهاهن بعض نساء زاكورة يبعثن الظاهرة من جديد، كأمهات لطلبة وطالبات اعتقلوا، كما تؤكد منظمات حقوقية لأسباب مرتبطة بنشاطهم الطلابي والسياسي.
''الحياة'' أنصتت إلى أنين أمهات لم يعرفن للسجن والاعتقال طريقا، ووجدن أنفسهن في قلب معركة جديدة من نوع لم يألفوه إطلاقا.
أمهات خارج المعتقل:
مريم نبة(57 سنة،أم المعتقل علاء الدربالي)،عائشة(46 سنة،أم مريم باحمو)،فاطمة(40 سنة،أم ناصر احساين)،فاطمة الطلحاوي(46 سنة،أم عبدالله الراشدي)،مولودة،لبشارة،كلثوم أخوات زهرة بودكور.هؤلاء الأمهات والأخوات جميعا وجدن أنفسهن فجأة أمام معركة جديدة،من طينة أخرى في مواجهة ظاهرة الإعتقال السياسي بكل ما يحمل من قسوة البعد وصولة الجلاد وحالة مادية مهترئة.ورغم ضيق ذات اليد فإن هؤلاء الأمهات لم يرتكن جانبا،فخضن نضالات نلن فيها نصيبا من الرفس والضرب والكسر،ولاحقت بعضهن الكوابيس والأمراض(السكري،التوترات العصبية،قرحة المعدة...).رغم بعد المسافة لسجن بولمهارز ومسلسل المحاكمات الذي طال خلال سنتين وما تخلله من إضرابات عن الطعام والتعذيب (46 يوما) وأشياء أخرى ... ومع ذلك ظلت الأمهات تحن إلى فلذات الأكباد في معاناة لا تنتهي.
من رحاب الجامعة إلى أصفاد المعتقل:
تعيش عائلات الطلبة المعتقلين من مدينة زاكورة بسجن بولمهارزبمدينة مراكش في إطار ما يسمى " بمجموعة زهرة بودكور" خيبة أمل كبيرة واحباطا نفسيا عميقا جراء ما تلقاه العائلات من عدم التواصل مع أبنائها ومشاكل النقل والبعد عن مراكش ومسألة الإعتقال.
ثمانية عائلات و ثمانية طلبة ظل مصيرهم معلقا لأكثر من السنة دون محاكمة وسلسلة طويلة من التأجيلات ليتم النطق بالحكم في حق ''مجموعة بودكور'' بسنتين سجنا نافذا.
ففي غمرة الأحداث المأساوية التي عرفتها جامعة القاضي عياض خلال 14/ 15 ماي 2008 تم اعتقال يونس السالمي من مواليد 05/07/1983 ووجهت له تهم مختلفة من بينها :
"المشاركة في التجمهر المسلح والإعتداء على موظفين أثناء قيامهم بواجباتهم وتخريب الملك العام " تم الحكم عليه رفقة سبعة طلبة بسنة سجنا نافذة مع غرامة 1500 درهم .
ليأتي اعتقال 18 طالبا بما يعرف " بمجموعة زهرة بودكور" بعد اقتحام 37 منزلا بمراكش ومصادرة أجهزة كومبيتر وهواتف نقالة ومن بين الطلبة المعتقلين من مدينة زاكورة: مراد الشويني، عثمان الشويني،زهرة بودكور،يوسف المشدوفي، يوسف العلوي،عبدالله الراشدي، علاء الدربالي،محمد جميلي
وأربعة طلبة من مدينة قلعة السراغنة : خالد مفتاح من مواليد 01/01/1985 ومحمد العربي جدي من مواليد1980
وجلال القطبي 05/07/1983 ويونس السالمي ووجهت لمجموع الطلبة المعتقلين مجموعة من التهم :
" إضرام النار العمد في بعض الإقامات ومحاولة قتل أحد الأشخاص وتخريب الملك العام والإعتداء على موظفين أثناء مزاولتهم لوجباتهم " .
فقد مضت أكثرمن سنة وأجلت المحاكمة أكثر من أربع مرات وما شهده هذا الملف من وثيرة متسارعة تمثلت في دخول جمعيات ومنظمات دولية لحقوق الإنسان للدفاع عن الطلبة المعتقلين في إطار العمل النقابي لمنظمة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب (اوطم) وانتماء بعض الطلبة وتعاطفهم مع الفصيل الطلابي "النهج الديمقراطي القاعدي ".
وعرف الملف كذلك مجموعة من الوقفات الإحتجاجية والتضامنية بكل من مراكش ، زاكورة ، الدار البيضاء ، فاس ، وجدة وأمام مقر البرلمان المغربي بالرباط وإضرابات متكررة للطلبة المعتقلين عن الطعام ورسائل كتابية وصوتية وصورا من داخل السجن وتقاريرلمنظمات حقوقية وطنية و دولية عن المعاملة السيئة التي تتلقاها "مجموعة زهرة بودكور" حسب افادات عائلات الطلبة المعتقلين .
وتعاني هذه العائلات من مدينة زاكورة العديد من المحن والصعوبات كما صرحوا بذلك "للحياة" ونفاذ صبرهم خصوصا وأن أمد المحاكمة طال ليبث في نهاية المطاف بالسجن سنتين حبسا نافذا في قضية الطلبة المتابعين في الملف باستثناء الطالب المعتقل مراد الشويني الذي حكم عليه بأربع سنوات نافذة.
وفي سياق ذاته أسرت بعض العائلات" أن الطالب جلال القطبي الذي كان معتقلا سابقا لمدة ثلاثة أشهر وتم اعتقاله مرة ثانية في إطار مجموعة زهرة بودكور يعاني أوضاعا نفسية خطيرة وانهيارا عصبيا يودي بحياته للجنون ويحملون السلطات مآل سوء حالته الصحية بعد الإضرابات التي خاضها رفقة الطلبة المعتقلين ". كما أنه يعاني تشوهات خطيرة على مستوى ساقه بعد الكسر الذي تعرض له وشفي منه ولكن بتشوهات وذلك ببروز عظم الساق ومعاناة لاتنتهي.
وعرف ملف مجموعة زهرة بودكور تطورا ملفتا للنظر بعد اعتقال السلطات للطالبة مريم باحمو فقد كانت على الواحدة بعد الزوال الاثنين 23نونبر 2009 على موعد مع السلطات وهي تحاصر احد المنازل المتواضعة بمدينة زاكورة ، ومجموعة من رجال الأمن لإفتياد فتاة نحيلة –بالكاد تظهر من بين أيديهم – في الثانية والعشرين من عمرها ، نحو مخفر الشرطة..... ومريم باحمو هي الأخت الكبرى لعائلة من سبع بنات وطفل لايتجاوز ثلاث سنوات وكانت تشتغل في مخدع هاتفي بمدينة زاكورة لإعالة عائلتها
أم على كرسي متحرك:''الكل تحت الصباط''
خاضت مريم نبة (57 سنة)،أم الطالب المعتقل علاء الدربالي تجربة فريدة لم تكن في البال والخاطر،تتحدث بنوع الغبن الذي يغمرها''اعتقال علاء هو تعد،لم يفعل شيئا لابيديه ولابرجليه.ما عشته من التكرفيس وقلة الشي بدون مال وبقيت ثلاثة أشهر في مراكش هائمة'' تضيف بحسرة كبيرة''يوم المحاكمة المشؤمة كنت رفقة ابني امحمد والذي حاولوا اعتقاله وفجأة ارتميت نحوه وكسر ضابط رجلي.بقيت خلالها تسعة أشهر بدون حراك،أجر أرجلي ،محمولة على كرسي متحرك''.
الأم التي يسندها ابنها امحمد الدربالي،تشير بأصبعها إلى مكان الكسر الذي عالجته بالكي،تتحدث بنبرة من الخزن المسيطر عليها''التكرفيس الذي مر بي لايعلم به إلا الله،لاأرقد لا ليلا ولانهارا،ليس لي بال.ليس لنا ما نصرفه على أنفسنا،فكيف نصرفه على ابننا في سجن بولمهارز.نظام المغرب ما فيه والو،الكل تحت الصباط''. تعيش أسرة أم علاء الدربالي وضعا مزريا بستة أطفال وأب متقاعد من سلك القوات المساعدة ومشاكل مادية لاأول ولاأخر لها...
أم مريم باحمو:صحراوية لاتعرف مراكش:
بكلمات قليلة من الدارجة وغلبة للامازيغية،تتحدث أم مريم باحمو،محاطة بسبع فتيات صغيرات وطفل لم يتجاوز ثلاث سنوات ''اعتقلوها وتركوا الجميع في حالة مرض، مشردين، ليس لدينا عمل، يغيب الزوج دون أن نراه لمدة شهرين أوثلاثة أشهرفي الصحراء لرعي بعض الجمال، ثم يعود. هو الآن في حالة عطالة ليس لدينا مانسافر به، ذهبت لمراكش مرة واحدة بفضل لجنة دعم عائلات المعتقلين بزاكورة، لم أعرف أين ذهبت وإلى أين أمضي في مراكش.
تضيف والبنات السبع يحملقن ويسألن عن أختهن الكبرى التي كانت تعيلهم إلى أين ذهبت؟ والأم تحتبس دموعها ''مرضت كثيرا، بقا فيا الحال، حتى الأب نال حظه من الخوف والرعب كصحراوي، لم يعرف ماذا يقدم وماذا يؤخر. ظل جالسا أمام مركز الشرطة طيلة النهار وقيل له إنها أوامر عليا. لا نعرف مدينة مراكش ولانعرف ماذا فعلت البنت (تقصد ابنتها مريم باحمو). كل ما أعرفه أننا كنا ننتظر نهاية النهار لتأتي بشيء يعيل أخواتها الصغيرات''.
أم ناصر احساين: ''كبرنا في الكدية''
يجلس الأب حمو احساين متوترا وهو يرقب ست بنات صغيرات وأربعة أطفال، مصغيا لزوجته وهي تتحدث لـ''للحياة'' ''ابني مكرفس، وحنا مكرفسين معاه، لم نعرف السجن ولم نعرف هذا (تقصد الاعتقال)، حتى أتى به القدر، ليس لدي ما أقوله سوى لا إله إلا الله. لاأعمل، أهتم فقط بأولادي الذين يتابعون دراستهم''. يقاطعها الزوج: ''نحن لم نعرف أي شيء، فقد كبرنا في الكدية (الجبل)، ولم نتعلم القراءة وكل ما فعلناه أننا اشتغلنا في الرعي حتى قضى الجفاف على القطيع وجئنا إلى هنا (زاكورة) لنعلم أبناءنا وليس لدينا أي شيء لإعانتهم سوى لهوانا،حتى لانضيعهم كما أضعنا أنفسنا.''
تتابع الأم حديثها''ليس لدينا ما نصرفه على أخواته فبالأحرى أن نذهب إلى زيارته في مراكش.لم أذهب ولو مرة واحدة لزيارته،بفضل لجنة عائلات المعتقلين هم الذين ساعدوا الأب في زيارته للمرة الأولى والأخيرة منذ سنتين.الله يأخذ الحق في اللي ظلموا ولدي،لقد اعتدوا عليه بالباطل''.
أم ناصرا حساين رغم أميتها،وانحباسها داخل بيتها وجهلها بالكثير من أمور الحياة،فهي مقتنعة بما فعله ابنها مرددة بحماسة ''أنا لا أعرف العربية،وما فعله ولدي مقتنع به،وهي أمور ينص عليها القانون،لقد انسد عقلي طيلة هاتين سنتين بفعل الاعتقال،وبفعل الخوف الذي يلاحقني أن أقول شيئا وأصبح إلى جانب ابني في المعتقل''.تحضن ابنتها الصغيرة بقوة وتكفف دمعها وهي تنظر للسماء...
غربة ومرض في وطن:
''معاناتنا يرثى لها من جميع الأحوال،لاأعمل بالمطلق،عشنا في الرباط لمدة أربعة أيام مثل الغرباء'' يعلق مولاي لحسن الراشدي والد الطالب المعتقل الراشدي عبدالله.
الأم فاطمة الطلحاوي بدورها تشعر بالغربة في وطن لم يسعفها بما فيه الكفاية.''فأنا مريضة،لاأتذكر أي شيء،سوى الذهاب والإياب والتكرفيس،لاأعرف متى ذهبت ومتى عدت.قاسينا كثيرا طيلة سنتين،لاأعرف لماذا تم اعتقاله وحينما يشرحون لي لأافهم شيئا. خلال سنتين من اعتقال ابني وأخي رأيتهما فقط لمرة واحدة.وحينما ذهبنا إلى مراكش لم أعرف أين ذهبنا وإلى أين نسير''.
في سبيل الأفكار والمبادئ:
لبشارة،مولودة،كلثوم...أخوات المعتقلة الصغيرة زهرة بودكور،يتضامن مع أختهن الصغيرة كأصغر معتقلة في المغرب.عائلة انقسمت إلى شطرين،في غياب الأم المتوفاة منذ مدة طويلة والأب المتقاعد.قسم بمدينة زاكورة وقسم آخر يكتري منزلا بمراكش لرعاية أصغر فرد في العائلة المتكونة من 12 فردا.
بنبرة حادة وغاضبة تحدثت كلثوم بودكور(29 سنة) عن معاناة العائلة بطريقتها الخاصة''إنها معاناة مادية بالدرجة الأولى والطامة الكبرى ما هو معنوي،حتى أن هناك أمهات لايميزن بين السجن ووضعيته و مدينة مراكش.معاناتنا،جزء بسيط تقدمه عائلتنا لإبنتها من أجل إيمانها بأفكارها ومبادئها.فقد أصبحت عطلنا مؤجلة،لم نكن نتوقع أن زهرة ستعتقل على اعتبار أنها أصغر عنصر في العائلة.فكل هذا(الأمراض،الاعتقال) ليست مشكلا في سبيل أفكارها ومبادئها وليس لشيء أخر مقابل قناعاتها''،تضيف''المشكل المطروح أن إدارة السجن وكذلك جهات معينة لاتساند على خروج زهرة للقيام بكشف صحي على حالتها الصحية رغم أن الأمراض التي أصيبت بها:مرض السكري وأمراض نسوية ترفض الإدارة بإصرار تحقيق هذا المطلب البسيط''.
''نحن جماهير مدينة زاكورة من خلال هذا المنبر'' الحياة'' نتقدم بالشكر والامتنان لكل من قدم دعما ماديا أو معنويا ليصل صوتنا إلى كل الأحرار في العالم،على أننا لم ننس فلذات أكبادنا إلى أخر نقطة في هذه المسيرة النضالية''.
زاكورة بلون الإعتقال:
وصلنا مدينة زاكورة بعد11 ساعة من السفر من مدينة الدارالبيضاء،كان الليل يلوح بأخر خيوطه،وعلى ضوء الصباح اكتشفنا مدينة أضناها الفقر والإعتقال.نساء قابعات بأزيائهن الصحراوية على جنبات الطريق في تسول دائم وسياح يمرحون هنا وهناك وأطفال صغار يلتقطون بعض كلمات من لغات أجنبية قد تسعفهم ذات يوم.
ونحن نهم بتوديع المدينة،كان أخر منظر شهدناه إلى جانب المناظر الطبيعية الرائعة،منظر لشابة متشردة تمشي في الاتجاه المعاكس وسط الشارع الرئيسي غير عابئة بسرعة الحافلات والسيارات التي تتوقف اضطرا بالقرب منها.ما أقرب الموت إليها ولكنه ينآى عنها فالفقر والحمق كفيلان بها في غياب أي رعاية اجتماعية كما الباقون يكتمون أحزانهم في صمت قاتل.
أسبوعية '' الحياة الجديدة '' العدد 91
عبدالله ساورة ـ زاكورة 01/03/2010
في الصورة مريم نبة والدة المعتقل علاء الدربالي-خاص
فجأة انقلبت حياة ثمانية عائلات إلى جحيم لاينتهي، تحول سكون مدينة زاكورة إلى سفر مشوب بالقلق والأحزان على أبنائهم خلف أسوار المعتقل منذ سنتين.
أفراد'' مجموعة زهرة بودكور'' يعانون داخل سجن بولمهارز بمراكش وأمهاتهم تعانين خارج المعتقل، . المغرب كان قد شهد تجربة أمهات المعتقلين السياسين، وهاهن بعض نساء زاكورة يبعثن الظاهرة من جديد، كأمهات لطلبة وطالبات اعتقلوا، كما تؤكد منظمات حقوقية لأسباب مرتبطة بنشاطهم الطلابي والسياسي.
''الحياة'' أنصتت إلى أنين أمهات لم يعرفن للسجن والاعتقال طريقا، ووجدن أنفسهن في قلب معركة جديدة من نوع لم يألفوه إطلاقا.
أمهات خارج المعتقل:
مريم نبة(57 سنة،أم المعتقل علاء الدربالي)،عائشة(46 سنة،أم مريم باحمو)،فاطمة(40 سنة،أم ناصر احساين)،فاطمة الطلحاوي(46 سنة،أم عبدالله الراشدي)،مولودة،لبشارة،كلثوم أخوات زهرة بودكور.هؤلاء الأمهات والأخوات جميعا وجدن أنفسهن فجأة أمام معركة جديدة،من طينة أخرى في مواجهة ظاهرة الإعتقال السياسي بكل ما يحمل من قسوة البعد وصولة الجلاد وحالة مادية مهترئة.ورغم ضيق ذات اليد فإن هؤلاء الأمهات لم يرتكن جانبا،فخضن نضالات نلن فيها نصيبا من الرفس والضرب والكسر،ولاحقت بعضهن الكوابيس والأمراض(السكري،التوترات العصبية،قرحة المعدة...).رغم بعد المسافة لسجن بولمهارز ومسلسل المحاكمات الذي طال خلال سنتين وما تخلله من إضرابات عن الطعام والتعذيب (46 يوما) وأشياء أخرى ... ومع ذلك ظلت الأمهات تحن إلى فلذات الأكباد في معاناة لا تنتهي.
من رحاب الجامعة إلى أصفاد المعتقل:
تعيش عائلات الطلبة المعتقلين من مدينة زاكورة بسجن بولمهارزبمدينة مراكش في إطار ما يسمى " بمجموعة زهرة بودكور" خيبة أمل كبيرة واحباطا نفسيا عميقا جراء ما تلقاه العائلات من عدم التواصل مع أبنائها ومشاكل النقل والبعد عن مراكش ومسألة الإعتقال.
ثمانية عائلات و ثمانية طلبة ظل مصيرهم معلقا لأكثر من السنة دون محاكمة وسلسلة طويلة من التأجيلات ليتم النطق بالحكم في حق ''مجموعة بودكور'' بسنتين سجنا نافذا.
ففي غمرة الأحداث المأساوية التي عرفتها جامعة القاضي عياض خلال 14/ 15 ماي 2008 تم اعتقال يونس السالمي من مواليد 05/07/1983 ووجهت له تهم مختلفة من بينها :
"المشاركة في التجمهر المسلح والإعتداء على موظفين أثناء قيامهم بواجباتهم وتخريب الملك العام " تم الحكم عليه رفقة سبعة طلبة بسنة سجنا نافذة مع غرامة 1500 درهم .
ليأتي اعتقال 18 طالبا بما يعرف " بمجموعة زهرة بودكور" بعد اقتحام 37 منزلا بمراكش ومصادرة أجهزة كومبيتر وهواتف نقالة ومن بين الطلبة المعتقلين من مدينة زاكورة: مراد الشويني، عثمان الشويني،زهرة بودكور،يوسف المشدوفي، يوسف العلوي،عبدالله الراشدي، علاء الدربالي،محمد جميلي
وأربعة طلبة من مدينة قلعة السراغنة : خالد مفتاح من مواليد 01/01/1985 ومحمد العربي جدي من مواليد1980
وجلال القطبي 05/07/1983 ويونس السالمي ووجهت لمجموع الطلبة المعتقلين مجموعة من التهم :
" إضرام النار العمد في بعض الإقامات ومحاولة قتل أحد الأشخاص وتخريب الملك العام والإعتداء على موظفين أثناء مزاولتهم لوجباتهم " .
فقد مضت أكثرمن سنة وأجلت المحاكمة أكثر من أربع مرات وما شهده هذا الملف من وثيرة متسارعة تمثلت في دخول جمعيات ومنظمات دولية لحقوق الإنسان للدفاع عن الطلبة المعتقلين في إطار العمل النقابي لمنظمة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب (اوطم) وانتماء بعض الطلبة وتعاطفهم مع الفصيل الطلابي "النهج الديمقراطي القاعدي ".
وعرف الملف كذلك مجموعة من الوقفات الإحتجاجية والتضامنية بكل من مراكش ، زاكورة ، الدار البيضاء ، فاس ، وجدة وأمام مقر البرلمان المغربي بالرباط وإضرابات متكررة للطلبة المعتقلين عن الطعام ورسائل كتابية وصوتية وصورا من داخل السجن وتقاريرلمنظمات حقوقية وطنية و دولية عن المعاملة السيئة التي تتلقاها "مجموعة زهرة بودكور" حسب افادات عائلات الطلبة المعتقلين .
وتعاني هذه العائلات من مدينة زاكورة العديد من المحن والصعوبات كما صرحوا بذلك "للحياة" ونفاذ صبرهم خصوصا وأن أمد المحاكمة طال ليبث في نهاية المطاف بالسجن سنتين حبسا نافذا في قضية الطلبة المتابعين في الملف باستثناء الطالب المعتقل مراد الشويني الذي حكم عليه بأربع سنوات نافذة.
وفي سياق ذاته أسرت بعض العائلات" أن الطالب جلال القطبي الذي كان معتقلا سابقا لمدة ثلاثة أشهر وتم اعتقاله مرة ثانية في إطار مجموعة زهرة بودكور يعاني أوضاعا نفسية خطيرة وانهيارا عصبيا يودي بحياته للجنون ويحملون السلطات مآل سوء حالته الصحية بعد الإضرابات التي خاضها رفقة الطلبة المعتقلين ". كما أنه يعاني تشوهات خطيرة على مستوى ساقه بعد الكسر الذي تعرض له وشفي منه ولكن بتشوهات وذلك ببروز عظم الساق ومعاناة لاتنتهي.
وعرف ملف مجموعة زهرة بودكور تطورا ملفتا للنظر بعد اعتقال السلطات للطالبة مريم باحمو فقد كانت على الواحدة بعد الزوال الاثنين 23نونبر 2009 على موعد مع السلطات وهي تحاصر احد المنازل المتواضعة بمدينة زاكورة ، ومجموعة من رجال الأمن لإفتياد فتاة نحيلة –بالكاد تظهر من بين أيديهم – في الثانية والعشرين من عمرها ، نحو مخفر الشرطة..... ومريم باحمو هي الأخت الكبرى لعائلة من سبع بنات وطفل لايتجاوز ثلاث سنوات وكانت تشتغل في مخدع هاتفي بمدينة زاكورة لإعالة عائلتها
أم على كرسي متحرك:''الكل تحت الصباط''
خاضت مريم نبة (57 سنة)،أم الطالب المعتقل علاء الدربالي تجربة فريدة لم تكن في البال والخاطر،تتحدث بنوع الغبن الذي يغمرها''اعتقال علاء هو تعد،لم يفعل شيئا لابيديه ولابرجليه.ما عشته من التكرفيس وقلة الشي بدون مال وبقيت ثلاثة أشهر في مراكش هائمة'' تضيف بحسرة كبيرة''يوم المحاكمة المشؤمة كنت رفقة ابني امحمد والذي حاولوا اعتقاله وفجأة ارتميت نحوه وكسر ضابط رجلي.بقيت خلالها تسعة أشهر بدون حراك،أجر أرجلي ،محمولة على كرسي متحرك''.
الأم التي يسندها ابنها امحمد الدربالي،تشير بأصبعها إلى مكان الكسر الذي عالجته بالكي،تتحدث بنبرة من الخزن المسيطر عليها''التكرفيس الذي مر بي لايعلم به إلا الله،لاأرقد لا ليلا ولانهارا،ليس لي بال.ليس لنا ما نصرفه على أنفسنا،فكيف نصرفه على ابننا في سجن بولمهارز.نظام المغرب ما فيه والو،الكل تحت الصباط''. تعيش أسرة أم علاء الدربالي وضعا مزريا بستة أطفال وأب متقاعد من سلك القوات المساعدة ومشاكل مادية لاأول ولاأخر لها...
أم مريم باحمو:صحراوية لاتعرف مراكش:
بكلمات قليلة من الدارجة وغلبة للامازيغية،تتحدث أم مريم باحمو،محاطة بسبع فتيات صغيرات وطفل لم يتجاوز ثلاث سنوات ''اعتقلوها وتركوا الجميع في حالة مرض، مشردين، ليس لدينا عمل، يغيب الزوج دون أن نراه لمدة شهرين أوثلاثة أشهرفي الصحراء لرعي بعض الجمال، ثم يعود. هو الآن في حالة عطالة ليس لدينا مانسافر به، ذهبت لمراكش مرة واحدة بفضل لجنة دعم عائلات المعتقلين بزاكورة، لم أعرف أين ذهبت وإلى أين أمضي في مراكش.
تضيف والبنات السبع يحملقن ويسألن عن أختهن الكبرى التي كانت تعيلهم إلى أين ذهبت؟ والأم تحتبس دموعها ''مرضت كثيرا، بقا فيا الحال، حتى الأب نال حظه من الخوف والرعب كصحراوي، لم يعرف ماذا يقدم وماذا يؤخر. ظل جالسا أمام مركز الشرطة طيلة النهار وقيل له إنها أوامر عليا. لا نعرف مدينة مراكش ولانعرف ماذا فعلت البنت (تقصد ابنتها مريم باحمو). كل ما أعرفه أننا كنا ننتظر نهاية النهار لتأتي بشيء يعيل أخواتها الصغيرات''.
أم ناصر احساين: ''كبرنا في الكدية''
يجلس الأب حمو احساين متوترا وهو يرقب ست بنات صغيرات وأربعة أطفال، مصغيا لزوجته وهي تتحدث لـ''للحياة'' ''ابني مكرفس، وحنا مكرفسين معاه، لم نعرف السجن ولم نعرف هذا (تقصد الاعتقال)، حتى أتى به القدر، ليس لدي ما أقوله سوى لا إله إلا الله. لاأعمل، أهتم فقط بأولادي الذين يتابعون دراستهم''. يقاطعها الزوج: ''نحن لم نعرف أي شيء، فقد كبرنا في الكدية (الجبل)، ولم نتعلم القراءة وكل ما فعلناه أننا اشتغلنا في الرعي حتى قضى الجفاف على القطيع وجئنا إلى هنا (زاكورة) لنعلم أبناءنا وليس لدينا أي شيء لإعانتهم سوى لهوانا،حتى لانضيعهم كما أضعنا أنفسنا.''
تتابع الأم حديثها''ليس لدينا ما نصرفه على أخواته فبالأحرى أن نذهب إلى زيارته في مراكش.لم أذهب ولو مرة واحدة لزيارته،بفضل لجنة عائلات المعتقلين هم الذين ساعدوا الأب في زيارته للمرة الأولى والأخيرة منذ سنتين.الله يأخذ الحق في اللي ظلموا ولدي،لقد اعتدوا عليه بالباطل''.
أم ناصرا حساين رغم أميتها،وانحباسها داخل بيتها وجهلها بالكثير من أمور الحياة،فهي مقتنعة بما فعله ابنها مرددة بحماسة ''أنا لا أعرف العربية،وما فعله ولدي مقتنع به،وهي أمور ينص عليها القانون،لقد انسد عقلي طيلة هاتين سنتين بفعل الاعتقال،وبفعل الخوف الذي يلاحقني أن أقول شيئا وأصبح إلى جانب ابني في المعتقل''.تحضن ابنتها الصغيرة بقوة وتكفف دمعها وهي تنظر للسماء...
غربة ومرض في وطن:
''معاناتنا يرثى لها من جميع الأحوال،لاأعمل بالمطلق،عشنا في الرباط لمدة أربعة أيام مثل الغرباء'' يعلق مولاي لحسن الراشدي والد الطالب المعتقل الراشدي عبدالله.
الأم فاطمة الطلحاوي بدورها تشعر بالغربة في وطن لم يسعفها بما فيه الكفاية.''فأنا مريضة،لاأتذكر أي شيء،سوى الذهاب والإياب والتكرفيس،لاأعرف متى ذهبت ومتى عدت.قاسينا كثيرا طيلة سنتين،لاأعرف لماذا تم اعتقاله وحينما يشرحون لي لأافهم شيئا. خلال سنتين من اعتقال ابني وأخي رأيتهما فقط لمرة واحدة.وحينما ذهبنا إلى مراكش لم أعرف أين ذهبنا وإلى أين نسير''.
في سبيل الأفكار والمبادئ:
لبشارة،مولودة،كلثوم...أخوات المعتقلة الصغيرة زهرة بودكور،يتضامن مع أختهن الصغيرة كأصغر معتقلة في المغرب.عائلة انقسمت إلى شطرين،في غياب الأم المتوفاة منذ مدة طويلة والأب المتقاعد.قسم بمدينة زاكورة وقسم آخر يكتري منزلا بمراكش لرعاية أصغر فرد في العائلة المتكونة من 12 فردا.
بنبرة حادة وغاضبة تحدثت كلثوم بودكور(29 سنة) عن معاناة العائلة بطريقتها الخاصة''إنها معاناة مادية بالدرجة الأولى والطامة الكبرى ما هو معنوي،حتى أن هناك أمهات لايميزن بين السجن ووضعيته و مدينة مراكش.معاناتنا،جزء بسيط تقدمه عائلتنا لإبنتها من أجل إيمانها بأفكارها ومبادئها.فقد أصبحت عطلنا مؤجلة،لم نكن نتوقع أن زهرة ستعتقل على اعتبار أنها أصغر عنصر في العائلة.فكل هذا(الأمراض،الاعتقال) ليست مشكلا في سبيل أفكارها ومبادئها وليس لشيء أخر مقابل قناعاتها''،تضيف''المشكل المطروح أن إدارة السجن وكذلك جهات معينة لاتساند على خروج زهرة للقيام بكشف صحي على حالتها الصحية رغم أن الأمراض التي أصيبت بها:مرض السكري وأمراض نسوية ترفض الإدارة بإصرار تحقيق هذا المطلب البسيط''.
''نحن جماهير مدينة زاكورة من خلال هذا المنبر'' الحياة'' نتقدم بالشكر والامتنان لكل من قدم دعما ماديا أو معنويا ليصل صوتنا إلى كل الأحرار في العالم،على أننا لم ننس فلذات أكبادنا إلى أخر نقطة في هذه المسيرة النضالية''.
زاكورة بلون الإعتقال:
وصلنا مدينة زاكورة بعد11 ساعة من السفر من مدينة الدارالبيضاء،كان الليل يلوح بأخر خيوطه،وعلى ضوء الصباح اكتشفنا مدينة أضناها الفقر والإعتقال.نساء قابعات بأزيائهن الصحراوية على جنبات الطريق في تسول دائم وسياح يمرحون هنا وهناك وأطفال صغار يلتقطون بعض كلمات من لغات أجنبية قد تسعفهم ذات يوم.
ونحن نهم بتوديع المدينة،كان أخر منظر شهدناه إلى جانب المناظر الطبيعية الرائعة،منظر لشابة متشردة تمشي في الاتجاه المعاكس وسط الشارع الرئيسي غير عابئة بسرعة الحافلات والسيارات التي تتوقف اضطرا بالقرب منها.ما أقرب الموت إليها ولكنه ينآى عنها فالفقر والحمق كفيلان بها في غياب أي رعاية اجتماعية كما الباقون يكتمون أحزانهم في صمت قاتل.
أسبوعية '' الحياة الجديدة '' العدد 91
No comments:
Post a Comment