المغرب والشخصيات التاريخية الصحراوية: تزوير التاريخ أم استلاب الذاكرة؟
10/08/2009- الجزء الأول
بقلم: د. غالي الزبير
مدخل:
في السنوات القليلة الماضية أبان الاحتلال المغربي عن سياسة "هوياتية" جديدة تتلخص في تبني بعض الرموز الثقافية والتاريخية الصحراوية ومحاولة إعادة قولبتها لخدمة مشروع الاحتلال المغربي. وتأتي هذه السياسة الخبيثة بعد أن فشل المغرب في إبادة الصحراويين تقتيلاً واختطافاً وتضييقاً، ثم محاولة حظر كل مظاهر الهوية الصحراوية ومحاولة إحلال الهوية المغربية بدلاً منها مستعيناً في تحقيق ذلك بإغراق المدن الصحراوية المحتلة بطوفان من المستوطنين. وحين اتضحت معالم فشل هذه الإستراتيجية المخزنية قام بتهجير المئات من الشباب الصحراوي إلى داخل المغرب رغبة في تكوين جيل صحراوي منقطع عن جذوره الثقافية والإنسانية.
ويلاحظ الكاتب الصحفي البريطاني توبي شيلي مؤلف كتاب "نهاية اللعبة في الصحراء الغربية" فشل مشروع الإدماج المخزني حين يقول من واقع مشاهداته في المدن الصحراوية المحتلة ما معناه:
"يعيش الصحراويون (يقصد في المدن الصحراوية المحتلة) منفصلين عن جيرانهم المغاربة فيندر أن تجد صحراوياً يجلس على المقهى مع مغربي كما يصلي الصحراويون في مصلياتهم المفتوحة "لمسيد" ويعتزلون المساجد التي تبينها الدولة المغربية ويتعلم الأطفال نوعين من التاريخ تاريخ رسمي في المدرسة وتاريخ مناقض له يتعلمونه في بيوتهم ".
وإذا كان الاهتمام المخزني بإقامة المهرجانات الفلكلورية التي تكاثرت بصورة ملفتة للنظر والإنفاق السخي عليها وكذلك الاهتمام غير المسبوق بالحياة الثقافية في المدن المحتلة الصحراوية هي مظاهر لمحاولة استلاب الثقافة الصحراوية واختزالها في صور استعراضية سطحية بدلاً من الاتجاه إلى انجاز أعمال ذات قيمة ودراسات معمقة تحفظ هذه الثقافة وتصونها كهوية مميزة تحمل مخزوناً كبيراً من الإرث البشري الممتد عبر مئات السنين، فإننا في هذا المقال سنركز على ظاهرة استعمارية مغربية ترمي إلى تزوير التاريخ الصحراوي من خلال تبني الرموز التاريخية الصحراوية وإعادة قراءة تاريخها المشرق بتزوير وقائعه وإعطاءه التفسير الذي يخدم سياسة الاحتلال التوسعية في الصحراء الغربية وسنستعرض كيفية تحول الاحتلال المغربي من متجاهل أو منقص من الدور التاريخي للرموز التاريخية الصحراوية -وهو الدور الذي ظل يمارس لعشرات السنين- إلى دور جديد قائم على استحضار هذه الرموز التاريخية بكثافة ومحاولة رسمها بريشة الاحتلال كعناصر مغربية تخدم المشروع التوسعي المغربي، وبين التجاهل أو التنقيص من دور هذه الشخصيات إلى الاهتمام المكثف بتاريخها وأدوارها التاريخية يظهر التحول الذي عرفته سياسة العدو لتزوير التاريخ الصحراوي من جهة وخلق التشويش على غير العارفين بهذا التاريخ من الأجيال الصحراوية الشابة من جهة أخرى.
ومن المهم الإشارة هنا إلى الدور الذي لعبته بعض العناصر الصحراوية في خدمة المشروع المغربي وخاصة من طرف بعض أفراد عائلات شخصيات تاريخية صحراوية فضلت بيع تاريخ هذه الرموز لتحصيل مكاسب مادية أو سياسية متناسية أنها بذلك تسيء لنفسها قبل أن تسيء إلى أصحاب هذا التاريخ المشرق.
وسيفاجئ المتتبع للشأن الصحراوي حين يطالع مقالات صحفية أو دراسات مغربية تلبس لبوس الأكاديمية تمجد الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري أو تترحم على الشهيد الولي مصطفى السيد وتذرف دموع التماسيح على فقده وقبل هذه وذاك تعقد الندوات وتنجز الدراسات حول تاريخ وعطاءات الشيخ ماء العينين أو جهاد الشيخ أحمد الهيبة وفي كل الحالات التي ذكرنا يتم تغييب التاريخ الحقيقي لهذه الشخصيات التاريخية ومحاولة رسم صورة مشوهة لتاريخها والسعي إلى إعادة كتابة سيرها وفق مقاييس المشروع التوسعي المغربي .
وسنعرض ولو بإيجاز لجوانب من تاريخ هذه الشخصيات الصحراوية لفضح التزوير الذي تنتهجه السلطة المحتلة قصد سلب الذاكرة الصحراوية القيمة العالية المستمدة من التأسي برموزها وشخصياتها التاريخية وهي سياسة تقوم على سرقة التاريخ وتزوير الوقائع والكذب على الموتى دون ذرة من حياء أو التزام بأبسط شروط الموضوعية التي تتصف بها الدراسات التاريخية.
http://upes.org/body2.asp?field=articulos&id=1305
10/08/2009- الجزء الأول
بقلم: د. غالي الزبير
مدخل:
في السنوات القليلة الماضية أبان الاحتلال المغربي عن سياسة "هوياتية" جديدة تتلخص في تبني بعض الرموز الثقافية والتاريخية الصحراوية ومحاولة إعادة قولبتها لخدمة مشروع الاحتلال المغربي. وتأتي هذه السياسة الخبيثة بعد أن فشل المغرب في إبادة الصحراويين تقتيلاً واختطافاً وتضييقاً، ثم محاولة حظر كل مظاهر الهوية الصحراوية ومحاولة إحلال الهوية المغربية بدلاً منها مستعيناً في تحقيق ذلك بإغراق المدن الصحراوية المحتلة بطوفان من المستوطنين. وحين اتضحت معالم فشل هذه الإستراتيجية المخزنية قام بتهجير المئات من الشباب الصحراوي إلى داخل المغرب رغبة في تكوين جيل صحراوي منقطع عن جذوره الثقافية والإنسانية.
ويلاحظ الكاتب الصحفي البريطاني توبي شيلي مؤلف كتاب "نهاية اللعبة في الصحراء الغربية" فشل مشروع الإدماج المخزني حين يقول من واقع مشاهداته في المدن الصحراوية المحتلة ما معناه:
"يعيش الصحراويون (يقصد في المدن الصحراوية المحتلة) منفصلين عن جيرانهم المغاربة فيندر أن تجد صحراوياً يجلس على المقهى مع مغربي كما يصلي الصحراويون في مصلياتهم المفتوحة "لمسيد" ويعتزلون المساجد التي تبينها الدولة المغربية ويتعلم الأطفال نوعين من التاريخ تاريخ رسمي في المدرسة وتاريخ مناقض له يتعلمونه في بيوتهم ".
وإذا كان الاهتمام المخزني بإقامة المهرجانات الفلكلورية التي تكاثرت بصورة ملفتة للنظر والإنفاق السخي عليها وكذلك الاهتمام غير المسبوق بالحياة الثقافية في المدن المحتلة الصحراوية هي مظاهر لمحاولة استلاب الثقافة الصحراوية واختزالها في صور استعراضية سطحية بدلاً من الاتجاه إلى انجاز أعمال ذات قيمة ودراسات معمقة تحفظ هذه الثقافة وتصونها كهوية مميزة تحمل مخزوناً كبيراً من الإرث البشري الممتد عبر مئات السنين، فإننا في هذا المقال سنركز على ظاهرة استعمارية مغربية ترمي إلى تزوير التاريخ الصحراوي من خلال تبني الرموز التاريخية الصحراوية وإعادة قراءة تاريخها المشرق بتزوير وقائعه وإعطاءه التفسير الذي يخدم سياسة الاحتلال التوسعية في الصحراء الغربية وسنستعرض كيفية تحول الاحتلال المغربي من متجاهل أو منقص من الدور التاريخي للرموز التاريخية الصحراوية -وهو الدور الذي ظل يمارس لعشرات السنين- إلى دور جديد قائم على استحضار هذه الرموز التاريخية بكثافة ومحاولة رسمها بريشة الاحتلال كعناصر مغربية تخدم المشروع التوسعي المغربي، وبين التجاهل أو التنقيص من دور هذه الشخصيات إلى الاهتمام المكثف بتاريخها وأدوارها التاريخية يظهر التحول الذي عرفته سياسة العدو لتزوير التاريخ الصحراوي من جهة وخلق التشويش على غير العارفين بهذا التاريخ من الأجيال الصحراوية الشابة من جهة أخرى.
ومن المهم الإشارة هنا إلى الدور الذي لعبته بعض العناصر الصحراوية في خدمة المشروع المغربي وخاصة من طرف بعض أفراد عائلات شخصيات تاريخية صحراوية فضلت بيع تاريخ هذه الرموز لتحصيل مكاسب مادية أو سياسية متناسية أنها بذلك تسيء لنفسها قبل أن تسيء إلى أصحاب هذا التاريخ المشرق.
وسيفاجئ المتتبع للشأن الصحراوي حين يطالع مقالات صحفية أو دراسات مغربية تلبس لبوس الأكاديمية تمجد الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري أو تترحم على الشهيد الولي مصطفى السيد وتذرف دموع التماسيح على فقده وقبل هذه وذاك تعقد الندوات وتنجز الدراسات حول تاريخ وعطاءات الشيخ ماء العينين أو جهاد الشيخ أحمد الهيبة وفي كل الحالات التي ذكرنا يتم تغييب التاريخ الحقيقي لهذه الشخصيات التاريخية ومحاولة رسم صورة مشوهة لتاريخها والسعي إلى إعادة كتابة سيرها وفق مقاييس المشروع التوسعي المغربي .
وسنعرض ولو بإيجاز لجوانب من تاريخ هذه الشخصيات الصحراوية لفضح التزوير الذي تنتهجه السلطة المحتلة قصد سلب الذاكرة الصحراوية القيمة العالية المستمدة من التأسي برموزها وشخصياتها التاريخية وهي سياسة تقوم على سرقة التاريخ وتزوير الوقائع والكذب على الموتى دون ذرة من حياء أو التزام بأبسط شروط الموضوعية التي تتصف بها الدراسات التاريخية.
http://upes.org/body2.asp?field=articulos&id=1305
No comments:
Post a Comment